ما إن يخرج من أزمة إلا وتلاحقه أخرى، وكأن قدره اختاره أن يعيش دوماً على الحافة، بين مخاطر إرهاب وعثرات اقتصادية، واحتجاجات شعبية، وفي الخلفية ميراث حرب أهلية مزقته وناثرت أشلاءه، وجعلت أبناءه يترقبون المستقبل بحذر وأيديهم على قلوبهم، وأعينهم على ماضٍ مؤلم ينتظر أن ينفجر بين لحظة وأخرى. «لبنان الذي كان» رمزاً لكل ما هو جميل ومهبطا ومهوى لأفئدة العرب واستثماراتهم السياحية والعقارية في سبعينات القرن الماضي، يضخون عبر قنواته رؤوس أموالهم، باتت تشحن العملة الصعبة «الدولار» إليه بالطائرات بعدما تحوّل إلى سلعة غير متوفّرة، وتعمل المصارف على استيرادها من الخارج. لبنان اليوم، ليس كما هو لبنان أمس، وليست عملته أيضا كما كانت عليه في السابق. ولأن قوة أي دولة من قوة اقتصادها واستقرار عملتها، فقد كان الدولار الأمريكي الواحد يساوي 3.22 ليرة و3.92 ليرة في العام 1964، ومع اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 ظلت الليرة على معدلاتها السابقة حتى وصلت في العام 1981 إلى نحو 4 ليرات للدولار الواحد. ومع الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 بلغ الدولار الواحد 5 ليرات لبنانية، وبعد أشهر قليلة عوضت الليرة بعض خسائرها لترتفع نهاية العام 1982 إلى ما دون 5 ليرات للدولار الواحد. وفي العام 1987 بلغ سعر صرف الليرة في عهد الرئيس أمين الجميّل ما يقارب 550 ليرة للدولار، وفي العام 1988 تراجعت إلى 380 ليرة للدولار. واليوم، وبعد مرور نحو 30 عاماً على انتهاء الحرب الأهلية، أصبح لليرة لبنان سعران وليس سعراً واحداً، إذ وصل سعرها الرسمي في البنوك إلى 1515 ليرة مقابل الدولار الواحد، والسعر الثاني في السوق السوداء الذي تخطى 2000 ليرة مقابل الدولار. ولكن ما الذي حدث وما الذي تغير، الإجابة يخطرنا بها الانهيار الاقتصادي المتسارع الذي يعيشه اللبنانيون، وسط شحّ في السيولة ومخاوف من عدم تمكن البلاد من سداد جزء من الدين العام المتراكم، مع تراجع الثقة بقطاعه المصرفي، الذي كان يُعَد العمود الفقري للاقتصاد المحلي ودعامة للنظام المالي.