"سيرة الليرة" اللبنانية جمعها المنشّط الثقافي جورج الزعني في كتاب عنوانه "قروش من الجنة"، والعنوان استعارة من المثل الانكليزي "Penies From Heaven" لاقتناعه بأن الليرة تستحق الكتابة عن تاريخها كونها الرمز اللبناني الوحيد الذي لم يتورط في حرب مزّقت اوصال لبنان. وهي تستحق ذلك لأنها مثّلت دوماً الجامع المشترك بين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، في فقرهم وثرائهم. لا يقتصر كتاب الزعني على سرد "سيرة الليرة" في التاريخ الحديث حتى حاضرنا، بل يعود الى زمن الفينيقيين الذين ابتكروا القطع المعدنية من الفضة في وقت كانت المنطقة تتداول النقود اليونانية. وينتقل في الازمنة والامبراطوريات التي كان لبنان تابعاً لها لينتهي الى بداية القرن العشرين. وقدم الزعني لهذه الحقبة قائلاً "يشكل النقد الآن جانباً مهماً في كل نقاش ووجوداً مريحاً في جيوبنا. ولكنه اكثر من ذلك، لأنه يمثل احد وجوه الامة. ولو انه تبدل على مر السنوات لأن العملة اللبنانية ايضاً تبدلت". كان منطقياً ان تتداول السوق اللبنانية الفرنك الفرنسي في ظل الانتداب وتجذره حيال تراجع هيبة السلطنة العثمانية حين كانت العملتان تركية ومصرية. لكن النقد الفرنسي اظهر ضعفاً، فاوجدت فرنسا الليرة السورية بموجب مرسوم رقمه 129 وتاريخه 11 آذار مارس عام 1920، ربطت تسعيرتها بالفرنك اذ كان كل قرش يساوي 20 سنتيماً، كما هي مرتبطة اليوم بالدولار. وفي العام نفسه وبعد قيام دولة لبنان الكبير انشئ بنك سورية ولبنان فكانت له صلاحية اصدار الليرة لمدة 15 سنة، وتحولت الليرة السورية الى ليرة لبنانية - سورية. وعلى رغم قيام الجمهورية السورية ودولة لبنان الكبير استمر بنك سورية ولبنان في اصدار الليرة حتى آذار 1964 تاريخ انشاء مصرف لبنان الذي بدأ اعماله في نيسان ابريل من العام نفسه. وخصص الزعني فصلاً في كتابه معدداً وزراء المال الذين تناوبوا على هذا المنصب منذ قيام الجمهورية الاولى في العام 1926 الى العام 1932، والوزراء الذين تسلموا مهمات هذه الوزارة منذ عهد الاستقلال حتى الآن. واستكمل "سيرة الليرة" بالحديث مسهباً عن مصرف لبنان ودوره في الرقابة وتنظيم القطاع المصرفي اللبناني، الذي نما في شكل ملحوظ خلال سنتين فقط من انشائه اذ وصل عدد المصارف الى 96 في العام 1966، لكن ازمة بنك "انترا" سببت هزة في السوق المصرفية، ما دفع بالمشرعين الى التحرك لمعالجة الازمة عبر سنّ قوانين جديدة وتعديل قانون النقد والتسليف. فانشئت ثلاث سلطات في العام 1967 وهي لجنة الرقابة على المصارف، والمجلس المصرفي الاعلى، ومؤسسة ضمان الودائع. والاخيرة قامت لحماية القطاع عبر مراقبته وتجنيبه الازمات الافلاسية. وأفرد الزعني فصلاً من الكتاب لتعداد فئات العملات التي اصدرها مصرف لبنان منذ العام 1964، وهي الليرة والخمس والعشر، حتى المئة مذكراً بعز الليرة وقوتها ليصل الى العام 1978 بعد اندلاع الحرب اللبنانية حين تم اصدار فئة ال 250، ثم في العام 1988 ونتيجة التضخم تم اصدار فئة ال500 والالف ليرة، معدداً ما صدر من فئات جديدة بدءاً من العام 1993، وتراجعت قيمها ليتم الانتقال في وتيرة سريعة من التداول بالليرات الى الآلآف نتيجة التضخم الكبير الذي سجله الاقتصاد اللبناني. وتناول الكاتب جمعية مصارف لبنان والوجود المصرفي الاجنبي في لبنان الذي حول بيروت الى "مركز مصرفي لمنطقة الشرق الاوسط". و"تعصرنت" الرسوم على الفئات من العملة اللبنانية لتعكس الفن الانطباعي بعدما كانت تبرز معالم لبنان الطبيعية والتاريخية راويةً ميراثه الاثري. وهي على عكس عملات البلدان الاخرى لم تحمل يوماً وجهاً من وجوه زعماء لبنان او سياسييّه.