لم يكن يتوقع صناع القرار في كوالالمبور أن يتقلد محيي الدين ياسين الذي أدى اليمين الدستورية، أمس (الأحد)، منصب رئيس الوزراء الثامن لماليزيا؛ باعتبار أن اسمه لم يكن متداولا في المشهد السياسي الذي يتشكل من خلال مثلث العرق والدين والمصالح الإقليمية، خصوصا أن أكثر من نصف السكان من أثنية المالاي وأقليات كبيرة من الصينيين والهنود.وزير الداخلية السابق محيي الدين ياسين كان من أذرع الختيار مهاتير؛ لكنه استطاع أن يتغلب عليه وعلى منافسه العتيد أنور إبراهيم بعد أسبوع من التوتر السياسي. وباعتباره مهندسا للتوازنات السياسية تولى ياسين مناصب مهمة في عهد 3 من رؤساء الحكومات، إذ نجا من المرحلة الانتقالية بين مهاتير محمد وخليفته عبدالله بدوي ليعود وينجو مجددا في عهد رئيس الوزراء نجيب عبدالرزاق؛ وينهي حقبة «مهاتير - أنور» رغم أنهما أعلنا توحيد جهودهما ثانية بعد خصام مؤقت؛ إلا أن القصر الماليزي اتخذ قراره وحسم المنصب لمصلحة ياسين الذي نجح في التمتع بالأغلبية البرلمانية. محيي الدين ياسين (73 عاما) القادم من منطقة جوهور يعتبر من القادة المؤسسين لحزب «بيراساتو» وهم السكان الأصليون لماليزيا؛ ودخل معترك السياسة عام 1978 نائبا في البرلمان عن دائرة باغوه بجوهور. وبصفته عضوا في حزب «أومنو» تولى العديد من المناصب حتى أصبح نجيب عبدالرزاق مقتنعا به وتولى منصب نائب رئيس حزب أومنو الحاكم في تلك الفترة ونائبا لرئيس الحكومة مثبتًا قدميه فيها، إلا أنه في عام 2015 أقاله نجيب من منصبه على خلفية انتقادات وجهها له في ما يتعلق بقضية الصندوق السيادي الماليزي، كما أن موقفه من هذه القضية أدى أيضاً للإطاحة به من أومنو في عام 2016. لم يرتهن محيي الدين لمجريات الأحداث السياسية؛ وفي أواخر 2016 أسس حزباً جديداً هو حزب «بيرساتو» أي السكان الأصليين لماليزيا وتولى رئاسته، هذا الحزب تحالف لاحقا مع «تحالف الأمل» بقيادة مهاتير وأنور والذي فاز بانتخابات عام 2018؛ منقلبًا على نجيب. وعندما شكل مهاتير الحكومة عام 2018 أهداه حقيبة الداخلية، إلا أنه وبعد فترة قصيرة اكتشف أنه مريض بالسرطان وذهب إلى سنغافورة للعلاج. وبعد شفائه عاد إلى ماليزيا لاستئناف عمله، ولكن سرعان ما بدأت المشاكل داخل تحالف الأمل، وهنا ظهر محيي الدين كالنجم السياسي في قصر ملك ماليزيا ليعطيه الثقة ويعينه على رأس هرم «بوترا جايا» وهو مقر رئاسة الوزراء. وباعتبار أن كل شيء جائز في السياسة، أعلن محيي الدين في 24 فبراير الماضي انسحاب بيرساتو من تحالف الأمل والعودة مجددا للحزب الأم «آمنو»، ما مهد لانهيار حكومة مهاتير وفقدانها الأغلبية البرلمانية. والسؤال الآن: هل يرضخ الختيار مهاتير محمد والثعلب أنور إبراهيم لما آلت إليه الأحداث؟ أما أنهما سيناوران لزعزعة حكم محيي الدين؟ الأيام وحدها سوف تكشف ذلك، إلا أن المؤشرات الأولية تشي إلى أنهما لن يرتهنا لذلك، لكن القوى المناهضة لهما لن تسمح هذه المرة بتكرار الصراع السياسي، لأن نتائجه ستكون كارثية. الكرة الآن في ملعب محيي الدين.. الذي صرَع السرطان ومعه مهاتير وأنور، ويجيد لعبة التوازنات السياسية وموازين القوى.