إلى صديق البدايات.. كيف أنت؟ وأين وصلت؟ سأتذكر وأذكرك لسنوات.. وصور انتهت، وحياة مرت لكن ذكراها بقيت، ومواجعها تمر ومحطاتها تغيرت وتبدلت. ما زلت أذكر وأنت تجمع مصروفك المدرسي وتدخل في مفاوضات مع بائع المكتبة، تستأجر صحيفة لساعات، وكِتاباً لأيام وأنت تعيش مقاومة الإيحاءات من أقرانك والتساؤلات من بيئتك! ما زلت أتذكر أنك أكثر من يقف في الإذاعة المدرسية، وكأنك تعيش لذة النجاح ونشوة الانتصار وغيرك من أقرانك تغيّب إجباراً في يوم الإذاعة المدرسية، ما زلت ألتقط صورة للمكتبة المدرسية التي في قاعة الصف الدراسي وكأنك حامٍ لها، مراقبٍ عليها، مدمنٍ في تصفح ما فيها! ها أنت من بين زملائك في مادة التعبير تستمع بالسؤال التقليدي من معلم اللغة العربية، أين قضيت إجازتك الصيفية؟ كان للخيال حضوره ووجوده وأثره. إلى أين؟ وأنت أدمنت القراءة حتى أصبحت وحيداً معها! مضت السنون ونحن نستقي من الفيافي رياحها وقد كنت بين أقراننا كاتباً بالمجان وكاتباً للمتعبين والحيارى والراغبين بالاعتذار حينما كان للرسالة الورقية أثرها وحضورها وقيمتها وأهميتها. مضت واستمرت وبقت وبقيت وفياً للكتاب فحاصرت حباً وأشغلك تردداً واستنفرك مادياً واستفزك وصرت ملاحقاً ومطارداً متردداً بين محاضرة ومعرضاً وندوة. إلى أين المسير؟ حينما أُعلن فوزك بإحدى الجوائز الوطنية وأنت على مقاعد الدراسة الجامعية، عشت شعور الانتصار على أقرانك وأخرجت وجهك المثابر لتقول: إن الكلمة الحرة لا تخذلك شريطة أن تخرج في الوقت الأنسب. والآن يا صديقي وغداً ومستقبلاً.. أعتب عليك عتاب المحب.. عتاب الغارق في مستوطن التساؤلات أين أنت؟ هل اكتفيت؟ أو كما كنت تردد: الكتابة «حياة» نستنشقها ونتنفسها لكنها تبقى في رسالتها.. مضى وكان الأثر! لكن ثق أن أجمل ما فيها أن تكتب ذاتك لذاتك.