منذ قيام إسرائيل عام 1948م، طرحت العشرات من مبادرات «السلام» لحل هذه المعضلة، وإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني، التي نجمت عن قيام إسرائيل، واندلاع الصراع الفلسطيني (العربي) - الإسرائيلي. ولا يكاد يمر عام دون الإعلان عن «مبادرة سلام» جديدة، من هذا الطرف الدولي أو ذاك. وقد عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على الالتفاف على كل هذه المبادرات، وتمييعها... والمضي قدماً في خططها الرامية للاستيلاء على كامل فلسطين، عبر الاستيطان وغيره، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه في وطنه. وهناك مبادرات دولية لم تستطع إسرائيل وأدها كغيرها، رغم أنها أعلنت رفضها لها مراراً وتكراراً، ورغم قبول الفلسطينيين والعرب والعالم بها. ولكن قوى نزيهة في المجتمع الدولي تحرص على دعمها، وتحاول فرضها على إسرائيل، التي تستقوي بداعميها، لرفضها واستبعادها. والمقصود هنا المبادرتان المتشابهتان: مبادرة «السلام العربية»، والمبادرة الدولية «الأممية» التي تسمى ب «حل الدولتين». **** تهدف مبادرة السلام العربية، التي أقرتها القمة العربية، المنعقدة في بيروت سنة 2002م، إلى: إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ومعترف بها دولياً على حدود سنة 1967م، والتوصل لحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، ورفض كل أشكال التوطين الفلسطيني في البلدان العربية المضيفة، والانسحاب من هضبة الجولان، والأراضي التي احتلت عام 1967م. وذلك مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل، وتطبيع العلاقات معها، وإنهاء هذا الصراع. «حل الدولتين» مشابه لمضمون مبادرة السلام العربية. ويهدف لإقامة دولتين، على أرض فلسطين التاريخية، هما: دولة فلسطين ودولة إسرائيل. وهو مستمد من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967م، واعتمد كمرجعية للمفاوضات الشهيرة التي جرت في أوسلو عام 1993م، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والتي تمخض عنها الاعتراف المتبادل بين هذين الطرفين. إنه يعني إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967م، أي على ما يعادل 23% من أرض فلسطين. **** إذاً، هناك شبه إجماع دولي بأن على إسرائيل إنهاء احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، وقبول قيام دولة فلسطين على هذه الأراضي التي تعتبر - دولياً - محتلة من قبل إسرائيل. الفلسطينيون والعرب، ومعظم دول العالم، يدعون لحل هذا الصراع - والذي هو أصلاً عدوان صارخ على الفلسطينيين والعرب - بإقامة دولة واحدة مشتركة، أو دولة فلسطينية مستقلة، بجانب إسرائيل، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلاً، وإبرام معاهدة سلام دائم بين العرب وإسرائيل. وهذا ما تؤكد عليه أيضاً ما يسمى ب «اللجنة الرباعية الدولية» (المنحازة لإسرائيل) التي شكلت من قبل مجلس الأمن، للمساهمة في حل هذا الصراع. وهذا ما ترفضه إسرائيل. **** إن أهم ما يملكه العرب الآن هو عصا «التطبيع». إن رموا هذه العصا طوعاً ودون مقابل، فلن يقبضوا سوى الريح، وستتواصل المأساة، بأبعادها. والحرب بين العرب وإسرائيل هي حرب حضارية شاملة، إن خسرها العرب فقل عليهم السلام كأمة. وهذه الحرب تتضمن معارك عدة... خسر العرب المعارك العسكرية التي جرت حتى الآن. ولكن، هذا يجب أن لا يعني التسليم. فالاستسلام يعني أن الصهيونية قد أصابت العروبة في مقتل. ومعظم العرب لم يفشلوا فقط في مواجهة إسرائيل، وإنما فشلوا على كل الصعد. فلماذا التركيز على فشلهم ضد الصهاينة، وتناسي فشلهم الذريع في التنمية، وإقامة أنظمة سياسية سليمة، على سبيل المثال وليس الحصر. إذاً، الأمر ليس التهيؤ لمواجهة إسرائيل، بل التهيؤ أولاً، وقبل كل شيء، لإقامة دول قوية ومحترمة. إن خطة «السلام» المطروحة من قبل الرئيس ترمب تعني تصفية القضية الفلسطينية، دون تحقق الحد الأدنى من الحقوق المطلوبة، فلسطينياً وعربياً. وأقل ما تستحقه هو هذا الرفض الشامل. لأن قبول هذه الخطة، كما هي، سيكون عبارة عن نكسة جديدة... الفلسطينيون والعرب في غنى عنها. فإسرائيل ستقوى، وتستفيد أضعافا مضاعفة، من التطبيع المجاني بخاصة. وأول من سيتضرر هم العرب الداعون للاستسلام، أو من يوصفون ب«المتصهينين». ورفض الفلسطينيين للخطة لا يكفي. إذ لا بد من توضيح كل حيثيات هذا الرفض، وضرورة إنفاذ الحل المجمع عليه دولياً، حتى يعرف العالم حقيقة الخدع الصهيونية. إن الصهاينة الذين وضعوا هذه الخطة، إما أنهم كانوا يعرفون أنها لن تقبل، أو أنهم قصدوا إثارة رفضها. وفي كلا الحالتين، يصبح الأمر مجرد خدعة، ومحاولة لكسب مزيد من الوقت. وربما فوجئ هؤلاء بأن رفض خطتهم أتى من كل حدب وصوب، بما في ذلك أمريكا وإسرائيل. هذا ربما يحفزهم للتمادي في تجاهل الحقوق الفلسطينية والعربية، أو التراجع، والتوجه في الطريق السليم.