تتطور المجتمعات الإنسانية في الحقبة الحالية بتسارع شديد، وقد أحدثت تلك التطورات تغيرات جوهرية بالبيئات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا بالتأكيد يفرض على المؤسسات التعليمية تحديات يجب مواجهتها. تلك التغيرات السريعة طالت متطلبات سوق العمل وأحدثت فجوة بين القدرات الحالية للمؤسسات العامة والخاصة والمهارات المطلوبة لقوتها العاملة سميت بالفجوة المهارية، حيث التباين الكبير بين متطلبات سوق العمل من جهة والمؤهلات التعليمية للقوى العاملة والمهارات والخبرات لتلك القوى من جهة أخرى. وهذا يفرض على المؤسسات التعليمية أن تواكب هذا التسارع وتوائم بين مواصفات التشغيل لدى المشغل، ومخرجاتها التعليمية. الفجوة المهارية التي تعاني منها معظم النظم التعليمية تؤدي إلى خفض الكفاءة الداخلية النوعية لمؤسسات التعليم الجامعي، ومؤشرها تدني التحصيل المعرفي والتأهيل التخصصي وضعف القدرات التحليلية والابتكارية والتطبيقية، والقصور في تعزيز القيم والاتجاهات الإنتاجية والمهارات الناعمة (soft skills)، وبالتالي ذلك يؤدي إلى انخفاض الكفاءة الخارجية، الكمية والنوعية، ويتمثل ذلك في زيادة عدد الخريجين من تخصصات لا يحتاجها سوق العمل، مع وجود عجز في تخصصات أخرى، أو تخصصات مطلوبة ولكن بطالب عمل يفتقر إلى المهارات الأساسية والناعمة التي تمكنه من المنافسة والبقاء في سوق العمل. إن الفجوة المهارية مشكلة عالمية لا ترتبط بمجتمع دون آخر، لذلك فإن من أهم أهداف الاجتماع الخامس عشر لمجموعة العشرين G20 الذي سينعقد في الرياض في 21-22 نوفمبر 2020، هو «اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع» وما يتفرع عن هذا الهدف من محاور متعددة بمجملها تهتم ب «التأكيد على أهمية مستقبل العمل والقدرة العالمية على استيعاب التطورات التكنولوجية بأسواق العمل المختلفة، وما أوجدته من فجوات متسعة في المهارات التشغيلية على اختلافها بين الأفراد والدول». هناك العديد من التحديات التي تواجه الأنظمة التعليمية في مواجهة الفجوة المهارية، منها التحدي الخاص بعدم التوافق بين منظومة التعليم من جهة وسوق العمل من جهة أخرى، ومنها تحدي التنبه إلى أن بعض الوظائف في سوق العمل تتطلب تأهيلا في أكثر من مجال، كذلك التحديات التي تتطلب توظيف التقنيات على أعلى مستوى، من هنا فإن التحديات المهارية مهم أن تكون حاضرة في ذهن الميدان التربوي بشكل مستمر وغير منقطع، فلسفة التعلم مدى الحياة ليست مجرد أفكار إنما هي مهارات وخبرات وممارسات، الطالب السعودي لديه القدرات والقابلية العالية للتعلم، كل ما يحتاجه هو الدعم، فالتعليم هو المجال الأكثر أهمية لصقل المهارات وهو الذي يمكنه إعداد الأجيال المقبلة، فقد ثبت أن كل عام من التعليم يزيد من أرباح الفرد بنسبة تصل إلى 10%، ارتفاع دخل الفرد الناتج من التعليم بالتأكيد هو الانعكاس الحقيقي للقوة التربوية وهو الهدف الذي تسعى له الدول حول العالم. * مدير الجامعة السعودية الإلكترونية المكلف