من خلال محاولتنا لفهم اللغة، عرفها ابن جني بأنها «أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم»، كما أن لها وظيفتها الاجتماعية في التعبير ونقل الأفكار، أي أن هذه حدود اللغة، أي لغة. في مرحلة تاريخية ماضية، كان البعض من الناس يتحدثون بلغة ليست لغاتهم للحصول على سمة حضارية، ذلك بدرء النقص والتعبير عن هوية جديدة اكتسبوها من تقليد أصحاب المناطق المتفوقة، والتحدث بلهجات أخرى تعبيرا عن تحضرهم، وهروبا من النظرة التي تزدري مناطقهم الأصل وسماتها الثقافية التي من أهمها اللهجة، لسبب بسيط وهو أنها لغات ينظر لأهميتها من خلال انتصار أصحابها بالتنمية التي حظيت بها مناطقهم وتفوقت حضاريا، وذلك نسبة لمناطق أخرى كانت أقل حظاً، فانحازت الثقافة ضد الجماعات والمناطق التي تأخذ سمة التأخر، حيث كانت لغاتهم مأخذا عليهم ووسيلة ازدراء للتعبير عن سكان المناطق المتخلفة، أُدخلت هذه الحالة حتى في النكتة التي تستخدم كمتنفس من حيث يصعب محاكمتها اجتماعياً لارتباطها بالفكاهة. في مرحلة متقدمة بالتزامن مع الانفتاح، ظهر البعض من الشباب على الإعلام الاجتماعي لتقديم محتواهم بلهجاتهم المحلية ولكن في قالب النقد الساخر، كحالة ارتداد نفسية على الذهنية التي سخفت من هذه اللغات وازدرتها وتعاملت مع أصحابها كمتخلفين، فكان الدور منهم يقتضي تقديم الذات والهوية لكن باستخدام الكوميديا من أجل التقبل الاجتماعي، هذا بالرغم من أن اللهجات ليست مدارا للكوميديا، لأنها في نهاية المطاف لغات وأصوات وهي في هذه الحالة تتساوى ما دامت تؤدي الغرض منها للتعبير والتواصل وإيصال الفكرة. كانت اللهجة البيضاء حلاً للتواصل بين الجماعات المختلفة في حالة الكلام بالمشترك، حتى لو اعتراها ظهور اللهجات الخاصة، ومن الجيد أن تظهر وتدل عليه، فليست اللغة محط علو أو نقص، وليست محط افتخار أو خجل، ومن التجاوز إسباغها بأي نوع من القداسة، حيث أن لكل جماعة من الناس لغتهم الخاصة التي يعبرون بها، وإذا كنا سنستثني لغة ما بصفة من القداسة فهذا يعني أننا نضع أنفسنا في ورطة التفرقة بين الناس، باعتبار اللغات جزءاً من هويات الناس. * كاتبة سعودية ALshehri_maha@