كان الإعلام المرئي والفضائي من قبل وسيلة لها القدرة في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، أما الآن فبحسب أحد تقارير التنمية الثقافي فإن المملكة وبعض الدول من المناطق التي شهدت تقلصاً في استخدام أجهزة التلفزيون وكان هذا التشبع نظراً لامتلاك مواطنيها هذه الأجهزة منذ وقت مبكر. وإذ تكشف التقارير عن النمو الذي يتزايد ويكثر في استخدام الإنترنت وامتلاك خطوط الهاتف والأجهزة الخلوية وغيرها من الوسائل التي توافر القدرة على استخدامه، فإن الأمر يختلف مع الإعلام الإلكتروني؛ إذ يعتبر الإنترنت أحد أهم وسائل الأعلام التي تحمل مؤشرات دالة على درجة الحراك الثقافي، فهذه الثقافة أصبحت محور التنمية الاجتماعية الشاملة بما تتضمنه من مضامين سياسية واقتصادية واجتماعية، هذا مع وضوح اعتماد نسبة كبيرة ممن يتناولون المعلومات من المصادر المتعددة والمختلفة ويكتسبون الثقافات كالوجبات اليومية، ومن هنا يمكن أن نلاحظ معدلات النمو الفكري من خلال تأثير هذا الإعلام الجديد بما يحويه من تجمعات تحتضن ساحات تأسيسية وحرة تحقق القدرة والحاجة للتفاعل الفكري والمعرفي، في حين أننا لا نشكل مجتمعات تفاعلية على أرض الواقع. مما لا شك فيه أن ملامح الواقع تتغير ولا يمكن أن تبقى على صورة واحدة، ويمكن القول إن المجتمع يعاصر حركة فكرية وثقافية متسارعة، غير أن هذه الحركة تقع في النزاع بين التقليديين المتمسكين بعاداتهم والحداثيين الذين يشعرون بحاجتهم للحرية والتغيير، وهذا بدوره يسهم في تحريك المياه الراكدة ويكون بالضرورة محفزاً على التغيير. فمن خلال الإنترنت يمكن امتلاك حسابات تتساوى إمكانياتها وأنظمتها ومساحاتها ولا تعمل بنظام المحسوبية أو الطبقية، وبينما تتسع الفروقات بين الأغنياء والفقراء على أرض الواقع، فإن هذه المجتمعات التي تأخذ تفكيرنا ومعظم أوقاتنا التي يتشكل تكوينها من هؤلاء المستخدمين تعمل على التسوية بينهم في استخدامها، ثم إننا استطعنا أن نخاطب من خلال الإنترنت الكثير من المسؤولين والوجهاء الذين كانت تعزلهم عنا سياجات الواقع، فتعذر علينا الوصول إليهم إلا من خلال التقنية. يمكن أيضاً أن نضع في اعتبارنا أن اختلافات هؤلاء المستخدمين قد تعكس الكثير من التعبيرات بصورة فوضوية، ويطغى طابع الهم المجتمعي على تعبيراتهم. وكذلك تجد أن الكثير من الشباب لم تعد تغريهم الدعاية والإعلانات التي تنظمها الأحزاب لكسب الجماهير، بل إن الكثير منهم يحاول ساعياً أن يبلور مطالبه العادلة التي ترفض الظلم، ويظل باحثاً متطلعاً إلى قضاياه المهمة والمصيرية، فهم يتحدون من خلال التقارب في أفكارهم في كثير من الأمور المهمة كهدف يناشد ما يمكن أن تحمله توقعات المستقبل، بلا اهتمام بخطاب من يعمل لصالح المرجعية والانتماء الفئوي أو الفروقات العرقية، إذ ذابت قيم الخصومة الحزبية نسبياً لدى الكثير من الشباب، فهم لا يهتمون ببريقها، بل إنهم يتطلعون إلى كل الأفكار الضارة والمفيدة والصحيحة والخاطئة، واستطاعوا امتلاك حرية الاختيار فيما يكتسبون حين تحرروا من الإعلام الموجه. أصبح كثير من الناس يواجهون التعسف، ويحتجون على كثير من المشكلات المجتمعية وأهمها الجشع الاقتصادي - وخصوصاً أولئك الذين يرزحون تحت خط العوز والفاقة - كتعبير عن الرأي الفردي بلا حاجة إلى متحدث رسمي باسم الجماعة، وهذه الاحتجاجات تأتي ردة فعلية وطبيعية لما تفرضه العولمة التي أدت إلى تغيير عميق في مفاهيم سياسات بعض الدول. لا شك في أن هؤلاء الذي يتطلعون إلى حاجاتهم وتحقيق المعيشة الكريمة مساواة بغيرهم هم الضامن في تطور هذا الوضع واستمراريته، فإن المجتمعات البشرية تتألم تحت سيادة السوق الرأسمالية التي تتحكم فيها الشركات الكبرى، وعمق الحركة الفكرية واستجداء الحلول لمواجهة هذه المشكلات لأجل تغييرها سيكون بالتأكيد نابعاً من الشبكة الرقمية. من خلال التهافت العالمي الواسع على استخدام هذه الوسيلة يمكن أن نلاحظ أن هذه الحركات التي نشهدها من خلال الإنترنت ليس لديها أي مطامع في الصراع السياسي أو الاجتماعي وتوجيه الآراء، فليست جهوية تتم السيطرة عليها من جهة معينة، وإنما هي حرة مطلقة وأراؤها تشكل رصيداً للثقافة الإنسانية بمفاصلها كلها، وبذلك قد يمكنها أن تحقق أهدافاً إنسانية إذا تم توجيهها توجيهاً سليماً لأجل أن تنعكس بشكل واضح على المخزون الحضاري والصورة المشرقة للمجتمع بما يمكن أن يرتقي به لمواكبة العصر والتطور وللإسهام في البناء وتعزيز القيم والأخلاق، بالدعوة للعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والفقر والتمييز والعنصرية، وهذا لن يحدث ولن يتحقق إلا إذا استطاعوا تحصين أنفسهم من طائل المصالح التي تدعوا إليها الأحزاب التقليدية التي لا تهتم إلا بتحقيق مصالحها فقط. خلاصة القول: إن ما يتوجب علينا هو دعوة الشباب وتوعيتهم للتحصن ضد التوجهات السلبية، وأن نجعل من شبكة الإنترنت حافزاً لتطوير المجتمع ومعالجة سلبياته، وألا نجعل صورتنا الثقافية تظهر دون مستوى النضج والرقي، لذلك فإنه ينبغي أن ننظر لاستخدام الإنترنت بطريقة فاحصة وموضوعية ودقيقة تساعدنا في تشخيص الإيجابيات والسلبيات، ومن ثم نسهم في انعكاسها من خلال أفكارنا وثقافتنا وسلوكياتنا بالشكل الإيجابي الذي يساعد في تحقيق الهدف الصحيح. * كاتبة سعودية. [email protected] alshehri_maha