تراجعت القبلية وقل نفوذها قبل الصحوة مع بقاء قيمها وأنماطها السلوكية كتنظيم ومؤسسة اجتماعية، ثم عادت من خلال المنتديات في التسعينات، وتزامن حضورها مع متغيرات المشهد الاجتماعي والحراك الذي فرضته شبكات الاتصال، كنتيجة لحالة تصاعدت تأثيراتها في زمن الصحوة التي غرست أفكارها ثقافيا في الفكر العام من خلال القبيلة واستحوذت عليها لتعزز خطابها، وبقيت رواسبها ليومنا هذا رغم تجاوز الزمن. بما أن سيكولوجية القبيلة في أصلها تعصبية وتلتقي مع الجماعات الدينية الحركية في روح التكوين الجماعي، فإن منطلقات المد الصحوي تمركزت في أساسات القبيلة من جانب قدرتها على استمالة العاطفة الدينية وتعزيز الدافع التعصبي لتقوية الجماعة وتوجيهها لتمكين نفوذها، فأخذت في تصدير أدبياتها إلى المدن من الريف والبداوة مع النزوح الحضري الذي رافق التحولات الاقتصادية في تلك الفترة، وأصبحت عنصرا تنظيميا لسلوك القبيلة حتى في المحافل والأفراح، إضافة إلى تجذرها في العمل المؤسسي المدني من خلال الوسائل والأدوات التي كانت الصحوة تمتلكها والتي كان من أهمها الاستحواذ على التعليم وخطاب المسجد، ووصل الحال إلى ربط الفكرتين «الدين والقبيلة» في الذهن القبلي من منطق التطرف ذاته، فكان الفرد ومازال يخلط بشكل لا واع بين الأمرين في حالة التعبير عن هويته، وبالرغم أن النزوح للمدن الحضرية يقتضي بناء تشكلات وهويات جديدة مبنية على التنوع ومخالطة الغير وتغير أنماط الجيرة مما ينتج أفكارا جديدة وسلوكيات متحضرة تفرضها الحياة المدنية، إلا أن الصحوة أعاقت التمدن وخنقت حركة التحضر الملازمة لكل ملمح وصورة حضارية، وكرست الضدية في تعاملات الناس ضد من يختلف عنهم، ووجهتهم للرفض نحو أي فكرة جديدة أو تغير عام، لا تتوانى في التعبير عن أهدافها بوجه مجرد من الأخلاق، وبهذا لم تكن لمؤسسات الدولة بعد التحديث أي جدوى في خلق تحضر فعلي لثقافة المجتمع. ظهر التطرف والصراعات غير المبررة والاحتقان في بعض تعاملات الشارع السعودي وقد يغفل البعض من أين جاءت خلفيته، وهو يتشكل اليوم في أعلى مستوياته بظاهرة الإرهاب التي أقلقت العالم، إلى جانب الإثنيات والكثير من العوامل التي مازالت شريحة عريضة تعاني من دوافعها اللاواعية باستحواذها على سلوكياتهم، حيث استشرت في المجتمع تلك النفسية الوثنية التي تتفاخر بالدين والقبيلة والأنساب كثقافة شكلية مجردة من الأخلاقيات والفضائل. أدبيات الصحوة استنطقت نوازع العنف الإنساني في اللغة والسلوك العام ووجهت القبيلة بعد أن وضعت كخيار أولي وأضفت عليها القيمة، وتطرف القبيلة ما هو إلا نموذج يتمثل في مدى قولبة فكر الجماعات القبلية لتكون إحدى أجندات الصحوة المساعدة على بقائها. سيكون إيجاد البديل جيدا وفعالا للتخلص من الرواسب في إيجاد هوية حضارية وطنية ولو باستخدام الأدوات ذاتها بالفكرة الأفضل، لتكون القبيلة جزءا فعالا في خلق ثقافة جديدة بالتنوع والتعددية والمواطنة. [email protected]