أتدري لماذا غبت عنكم كل هذه المدة ورحلت للمنفى الاختياري؟، لأني قررت العودة لمقاعد الصفوف الأولية بمدرسة الصداقة، كي أتعلم أبجدياتها وأقرأها على طبيعتها؛ أ، ل، ص، د، ق، بعد أن بدل الأصدقاء حروفها وحرفوا علاماتها بحسب مصالحهم، حتى صار معناها الواقعي؛ أ، ل، ق، ص، د، (الغاية). التقيت هناك بمدرسة الصداقة الابتدائية بالكثير من الأدباء والفنانين والمبدعين الشباب الذين أثروا الساحة الثقافية، قبل أن يتركوها مرغمين إثر تجاهلهم بالمحافل والتكريمات بفعل الشللية والانتهازية والعلاقات البرجماتية! أبشرك أيها الصديق الانتهازي أننا هنا بدأنا نفك الخط لنتعلم أن «الصداقة الحقيقية كالمظلة، كلما اشتد المطر، ازدادت الحاجة لها»، لنلتفت في بعضنا مستذكرين أولئك الأصدقاء الذين يطلقون سيقانهم للريح كلما سمعوا رعد ظروفنا الغزيرة، تعلمنا هنا على لسان أستاذ الفصل أن «الصداقة الحقيقية كالعلاقة بين العين واليد، إذا تألّمت اليد دمعت العين، وإذا دمعت العين مسحتها اليد»، ألتفت حينها لصديقي الفنان الكوميدي الغائب عن الساحة ليؤشر لي بيده ولسانه فيما معناه «إلا ما حولك أحد»، تعلمنا هنا أن «ثمار الأرض تجنى كل موسم، لكن ثمار الصداقة الحقيقية تجنى كل لحظة» عندها سمعت تنهيدة صديقي الأديب الذي اعتزل الناس والوسط الثقافي وهو يردد ساخرا؛ جنوا ثماري كلها ثم تركوني أقف وحيدا بالعراء أستمع لرياح أصواتهم المزيفة السائلة عن غيابي، وها أنا أحاول محبطا نشر مذكراتي بمواقع التواصل الاجتماعي! قيمة الأديب المثقف ستظل بنظر المزيفين بمثابة صندوق الكنز المدفون الذي يحتاجون لخريطة دقيقة لاكتشافها، أما قيمة المشاهير التافهين بالسوشل ميديا فهي أقرب للأفلام الكرتونية التي تتحول لمخلفات مكدسة بمجرد توقف من يحركها، وأخيرا، لقد تخرجنا من الصفوف الأولية لمدرسة الصداقة بحكمة واقعية تقول؛ الصداقة بزمننا الحالي مثل الدخان الجديد، مغشوش وغال!