يتزامن تزايد حجم المخاطر وتسارع وتيرة الأحداث في منطقتنا العربية والإسلامية مع وضوح النوايا على نحو لم يسبق له مثيل. وبعيدا عن السياسة التي اتضحت فيها مواقف دول كثيرة بمحاولات التوسع يلحظ من جانب فكري أنه في الوقت الذي بدأنا نرى بوضوح شديد بداية سقوط المشروع الإيراني بما أعلنته شعوب بلاد عربية عزمها على إطفاء نيران فارس ورفضها هيمنة طهران على مقدرات بلادها واستلاب قرارها وما سببته من اضطرابات سياسية وتدهور اقتصادي واستقطاب اجتماعي ونزاعات طائفية حادة.. في هذا الوقت بدأت بعض القوى والمنابر تصرح بتبنيها مشروعا سياسيا مقابلا هو المشروع التركي بشعاراته «العثمانية» بكونها -في مزاعمهم- تجسيدا للأممية الإسلامية الذي تعتقد تلك المنابر المستلبة بأنها نموذج تطبيقي للولاية في مفهومها الديني! في مقابل فكرة الوطنية التي يرونها مخالفة شرعية تقف منها في أقل أحوالها موقف التوجس والشك والريبة! وإذا كان متصورا -وإن لم يكن مقبولا أبدا- أن تحاول تركيا تسويق ماضيها العثماني مع أنه مليء بالأخطاء والإخفاقات والاعتداءات فما ليس متصورا ولا مفهوما ولا مقبولا أن يتبنى هذه الفكرة عرب ومسلمون باسم الدين والأممية حتى صاروا أتراكا أكثر من الأتراك أنفسهم حيث يحاولون «عثمنة» التاريخ والجغرافيا والسياسة وإضفاء القداسة عليها! وهي فكرة خطيرة يجب أن تواجه مواجهة علمية وشرعية واضحة وقوية بتعطيل خلفياتها الفكرية وكشف الصورة التاريخية للحالة الأممية المدعاة، مع بيان أن خطرها لا يقتصر على الدول والشعوب فقط وإنما على الحقائق الشرعية الصحيحة أيضا، ومن أهمها تشويه المفهوم الشرعي للولاية ببعدها العقدي والإخلال بمفهوم الاستقرار للدولة المسلمة ومعنى المواطنة وشرعية الدولة. وكما أن خطر الثورة الخمينية ليس في بعدها المذهبي فحسب وإنما في قيامها على إرادة تصديرها وهيمنتها على الدول وتهديد أمنها واستقرارها فكذلك الأمر في هذه «العثمنة» التي يحاول الأتراك تسويقها للتوسع والسيطرة ويتلقاها المريدون المغيبون بمحاولات تثويرها ثم تصديرها بمزاعم دينية وثقافية وحضارية باطلة! * كاتب سعودي [email protected]