لتركيا أردوغان طموحات توسعية لا تختلف عن إيران كثيراً، وكلاهما تدثر بالقوة الناعمة حتى سقط القناع في مرحلة ما، فقد تحسنت صورة إيران لدى كثير من المجتمعات العربية بعد حرب 2006، تحت قاعدة عدو إسرائيل صديقي، وبدعم من رافعة الإخوان المسلمين الذين دأبوا على المتاجرة بالقضية الفلسطينية كما هو حال النظام الإيراني. كما تحسنت صورة تركيا كثيراً في فترة أردوغان، عبر تصدير فكرة النموذج الاقتصادي الناجح، والذي يبدو أن أردوغان لم يكن مسؤولاً عن هذا النجاح، بل بعض رفاق الحزب الذين انفضوا عنه، وهم وزير الاقتصاد الناجح علي باجان، ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو صاحب نظرية تصفير المشاكل مع الجيران لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياحية عدة، والرئيس عبدالله غل. الصورة الناعمة لتركيا اخترقت المنازل العربية عبر الدراما التي شكلت عامل جذب كبير للسياح ولمن تملكوا عقارات هناك، ولا شك أن تجار السناب ساهموا في تسويق العقارات التركية التي اتضح زيف الكثير منها ومشاكل قضائية في بلد لا يحترم سيادة القانون. صورة إيران نصف الجيدة سقطت مع بداية الثورة السورية، حيث تبين أن المقاومة ما هي إلا مقاومة أي إرادة عربية في مكافحة أحلام الإمبراطورية الصفوية الجديدة، وهو الأمر الممتد من سوريا 2011، حتى لبنان وعراق 2019، وهو أمر لم تسلم منه حتى الشعوب الإيرانية، لأن العبرة بالولاء للمشروع وليس بالمذهب. وربما من بركات الربيع العربي المحدودة، أن القناع التركي أيضاً سقط، حيث اتضح تلازم المسار التركي القطري على قاعدة «الجنود- التمويل»، بحيث تعاونت الدولتان على ركوب حصان تنظيم الإخوان المسلمين لتحقيق النفوذ في الدول العربية الأفريقية، وقد تموضعت تركيا في موضع الخصم للدول العربية منذ لحظة سقوط الإخوان في مصر. وقد سعت خلال السنوات الماضية إلى توسيع تمددها العسكري في المنطقة العربية، وزاد هذا الأمر بعد انقلاب 2016 الذي تلاه انخفاض كبير في الاقتصاد وتراجع في سعر الليرة، ففعلت قاعدة طارق بن زياد في قطر في العام 2016، والتي بُنيت بناء على اتفاق تم مع الدوحة في 2014. وفي 2017 اتفقت على تأسيس قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن السودانية، مقابل المملكة العربية السعودية وبالقرب من مصر، كما بنت قاعدة عسكرية في العام نفسه في العاصمة الصومالية مقديشيو، كما سعت لبناء قاعدة في جيبوتي ولكن تزاحم القواعد في جيبوتي وبعد القرار السياسي عن المشروع التركي حال دون ذلك. اليوم تجد تركيا الفرصة مواتية لتتواجد عسكرياً في غرب ليبيا، بعد الاتفاقية التي وقعها أردوغان مع حكومة الوفاق، وهي حكومة عملياً لم يمنحها البرلمان المنتخب أي شرعية، كما كان من المفترض أن يحدث بعد اتفاق الصخيرات. والطموح العثماني في ليبيا والساعي بشكل رئيسي لتطويق مصر، يسعى للاستفادة من كون الغنوشي يملك الأغلبية في البرلمان التونسي، وخلت له الساحة بعد رحيل الباجي قائد السبسي، بالإضافة لنفوذ تركي- قطري في النيجر، حيث شيدت تركيا مطاراً في عاصمتها نيامي، وهو المرشح ليكون خط الإمداد الجوي خاصة إذا تعذر خلق خط إمداد بحري. جنون التمدد لأردوغان قد يكون هو الأمر الوحيد الذي قد يسقطه قبل نهاية ولايته في 2023، وعلى كثبان ليبيا الرملية. Twitter: @aAltrairi Email: [email protected]