تقريباً كان عنوان هذا المقال، يتصدر الصفحات الأولى للصحف الأمريكية يوم الخميس الماضي، في ما يشبه الاحتفالية الصحفية لحدث لم يتكرر سوى مرتين من قبل في تاريخ الولاياتالمتحدة. مساء يوم الأربعاء الماضي صوّت أعضاء مجلس النواب، في اليوم ال 1063 لولاية الرئيس ترمب الأولى على عزله بتهمتي استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونجرس. بعيداً عن الإثارة الصحفية التي يقدمها خبر عزل الرئيس ترمب، فإن عملية العزل نفسها سياسية بامتياز تطال رأس الدولة والسلطة التنفيذية في الولاياتالمتحدة، وهو بحد ذاته حدثٌ نادراً ما يتكرر في الحياة السياسية، تطال استقرار النظام السياسي الأمريكي العتيد. رغم حدة الصراع السياسي، بين أطراف العملية السياسية في واشنطن، إلا أن قرار المضي في العزل لم يكن سهلاً، ولم يكن أيضاً بالمطلق، سلوك يعكس هوىً حزبياّ بخلفية أيديولوجية تسودها المرارة والتطرف. الكل يجمع أن ذلك اليوم كان صعباً في تاريخ الولاياتالمتحدة، لدرجة أن نتيجة هذا العزل، في مجلس الشيوخ، بالبراءة أم بالإدانة تتضاءل أمام هيبة الحدث وخطورته. في النهاية: ليس سهلاً، في تاريخ أي رئيس أمريكي، أن يُسجل أنه عُزل، حتى لو جرت تبرئته من تهم العزل.. وليس سهلاً على أي حزب سياسي أن يُسجل عليه أن رئيسه عُزل.. أو حتى أنه سعى لعزل رئيس الولاياتالمتحدة. بعد هدوء عاصفة قرار العزل التي ستساهم إجازة أعياد الميلاد ونهاية السنة الميلادية، في تخفيف حدة هيجانها، يعود رجال الكونجرس بداية الشهر القادم للعمل السياسي الجدي لإكمال إجراءات العزل. الديمقراطيون، رغم ما أثاره نجاحهم في إقرار العزل بمجلس النواب، إلا أنهم ليسوا في عجلة من أمرهم للمضي في إجراءات المحاكمة بمجلس الشيوخ. الجمهوريون، على أي حال، لا يستطيعون بدء إجراءات المحاكمة قبل أن تصلهم مذكرة الاتهام من مجلس النواب. الديمقراطيون يريدون قبل إرسال مذكرة الاتهام التأكد من الإجراءات التي سيتبعها المجلس في محاكمته، وما إذا كان سيستدعي شهوداً، ومن هم هؤلاء الشهود.. وما إذا كان الشيوخ وهم في غالبيتهم جمهوريون، سيطلبون من الرئيس التعاون مع المحكمة وتقديم بعض الوثائق والشهود، أم سيتواطأون مع الرئيس، كما سبق وماطل مجلس النواب. لا شك أن الصراع السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين في أقصى درجات حدته، ويعكس انقساماً خطيراً في الولاياتالمتحدة بأكملها، بصورة نادرة الحدوث. أعضاء مجلس الشيوخ الذين سيكونون بمثابة المحلفين في المحاكمة، سيكونون تحت القسم، لكن هذا لا يضمن حيادهم الحزبي. المحاكمة العادلة التي ينادي بها الديمقراطيون هي محاكمة سياسية بامتياز. صعب جداً الحصول على ثلثي أعضاء الكونجرس، وغالبيتهم جمهوريون، لإدانة الرئيس.. وبعضٌ من زعماء الحزب الكبار أعلنوا تأييدهم للرئيس، ظالماً أم مظلومًا! محلفون مثل هؤلاء، لا يُقبل بهم في أي محاكمة طبيعية. يبقى الجو ملبداً بالغيوم والعواصف السياسية، مخيماً على واشنطن، إلى أن ينقشع غبار هذه الأزمة السياسية الحادة، التي تعصف باستقرار النظام السياسي.. ربما لا يحسمها سوى الناخب الأمريكي في الثالث من نوفمبر القادم عندما يذهب لاختيار رئيس جديد مع انتخاب كل مقاعد مجلس النواب، وثلث مقاعد مجلس الشيوخ. [email protected]