انفض سامر قمة كوالالمبور حتى قبل أن تبدأ.. فقد كانت منذ التخطيط لعقدها مؤامرة كبيرة، على رأسها الرئيس التركي رجب أردوغان الذي ظن أنه سيحقق من خلالها حلمه الأكبر، وهو إيجاد «خلافة» للمسلمين، يراها غائبة منذ انهيار الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. والهدف المعلن الأردوغاني هو توحيد المسلمين.. لكن القمة (المهزلة) كشفت أنها زادت المسلمين تشظياً، فبدلاً من البحث في جميع الصيغ المشروعة لوحدة الأمة من خلال منظمة التعاون الإسلامي التي ظلت تضطلع بعبء وحدة المسلمين منذ إنشائها في عام 1967، سعى أردوغان وحليفه الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى جعل قمة كوالالمبور منبراً بديلاً.. في غياب الدول ذات الثقل السكاني والسياسي في العالم الإسلامي، خصوصاً إندونيسيا، باكستان، والمملكة العربية السعودية. وهذا هو دأب أردوغان الذي يدعو إلى الوحدة الإسلامية وهو غارق في صناعة الفرقة والانقسام، من خلال احتضانه لجماعات ومناهج الإسلام السياسي، فما معنى دعوة رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي إلى حضور قمة يفترض أن تقتصر على رؤساء الدول ومن ينوبون عنهم؟ وما معنى دعوة حركة حماس الإخوانية وتجاهل السلطة الوطنية الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس؟ فشل كبير يضاف إلى إخفاقات أردوغان الذي ما توجه ووجه إلا وكان الفشل حليفه، وهو فوق ذلك كله محاصر بعلاقاته المنهارة والمتوترة مع منظمة حلف شمال الأطلسي، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والعالم العربي. إذن يريد رجل تركيا المريض أن يكون السلطان العثماني الجديد في عالم تحررت شعوبه الإسلامية من التبعية، والاستعمار، والإملاءات.. وهو حلم لا قبل لأردوغان بتحقيقه في أتون أزمات نظامه، الذي يعاني صعوبات اقتصادية كبيرة، وتوتراً في العلاقات الخارجية غير مسبوق في تاريخ تركيا الحديث. ولعله لم يجد عزاء إلا من حليفه روحاني الذي لا يعرف ماذا يصنع حيال المحنة التي يعيشها نظام الملالي، من عقوبات، وأزمات اقتصادية خانقة، وتدخلات عسكرية خارجية تستنزف ما بقي من أموال بلاده. لقد فشلت القمة منذ انطلاقها.. لأن أردوغان يجيد الهدم، لا البناء، ويتقن التقسيم والتمييزات السافرة لا الوحدة ولا التضامن. لقد غاب الكبار عن قمة كوالالمبور فلم يجد مضيفوها سوى «أراجوز» الإسلام السياسي ليسلِّيهم بمستودع أحلامه مستحيلة التحقيق.