عنوان المقال يرمز إلى إحدى كلمات الاشمئزاز، تعلمناها صغارا لتعكس عالم القرف بأبعاده المختلفة. وقبل الدخول في التفاصيل اسمحوا لي أن أبدأ بالكيمياء.. وتحديدا بأحد أغرب العناصر التي تؤثر في حياتنا. معظم ما نستنشقه اليوم وكل يوم بمشيئة الله هو عنصر النيتروجين، وتحديدا، فمكونات كل نفس هو عبارة عن حوالى ثمانين في المائة من ذلك الغاز. وذرات هذا العنصر تحب «الوناسة» وبالذات مع جماعتها، أي أن كل ذرة منه تعشق الاتحاد مع إخوتها بطريقة عجيبة، فروابطها قوية جدا وعنيدة جدا جدا. ومن الصعب تكوينها، وإن تكونت فلا «فكة» إلا بصعوبة بالغة. وهي تتطلب مقادير رهيبة من الطاقة في التكوين والتكسير.. تخيل أن الصواعق خلال العواصف الشديدة تكونها. وأما فكها فهو ينتج أيضا كميات رهيبة من الطاقة، ولذا فتجد أن النيتروجين هو أحد مكونات المتفجرات. وما علاقة هذا بموضوعنا؟ النيتروجين هو من أهم احتياجات النبات، فهو كالفيتامينات بالنسبة لنا. ولكن كما ذكرت أعلاه، فهو من العناصر الصعب تثبيتها بالرغم من وجودها بكثرة في الطبيعة... هو في كل مكان، ولكن الاستفادة منه صعب إلا من خلال بعض المصادر غير المتوقعة كالصواعق... وروث الحيوانات أعزكم الله. والملاحظ أن أهم مكونات السماد الطبيعي هو «الإخة» والسبب الرئيس كونها غنية بالنيتروجين. وخلال منتصف القرن التاسع عشر تم اكتشاف بعض الجزر الغنية جدا بطبقات متراكمة من روث الطيور خارج المياه الإقليمية الأمريكية، وتم استغلال تلك الجزر غير المأهولة بالبشر من خلال عمليات تنجيم «معفنة». وكانت نتائج تلك الأنشطة واسعة النطاق مذهلة لأنها ساهمت في رفع إنتاجية التربة في أمريكا، بل وحول العالم لإنتاج المزيد من المحاصيل الزراعية وبجودة عالية جدا. وأدى ذلك إلى تكوين «مجنانة» البحث عن «إخة» الطيور في الجزر غير المأهولة بالبشر حول العالم... هرع المستثمرون إلى استكشاف الجزر الصغيرة المأهولة بالطيور ذات الأجهزة الهضمية النشطة للحصول على «الذهب الأبيض» وتصديره للعالم بأكمله. ولكن هناك ما هو أغرب من هذا، فقد رأت الحكومة الأمريكية آنذاك أهمية الموضوع لدرجة أنها استباحت، بل وشجعت استكشاف واستعمار الجزر الصغيرة للحصول على تلك الكنوز العفنة. وصدر القانون الفيديرالي الأمريكي رقم 11/119 بتاريخ 18 أغسطس 1856 والذي سمح باستعمار الجزر الغنية «بالجوانو» أي «الإخة» الصادرة من الطيور من قبل الحكومة، أو الشركات، أو حتى الأفراد. وكان ذلك بهدف التنمية الزراعية أو تصنيع المتفجرات نظرا لتركيز النيتروجين في الترسبات على تلك الجزر. وكان ذلك القانون في قمة الجدية، لدرجة أنه وفر الحماية العسكرية الأمريكية لتلك المستعمرات. وتغيرت جغرافية العالم من خلال إضافة أكثر من مائة جزيرة صغيرة للولايات المتحدةالأمريكية ومعظمها كانت مملوكة للأفراد. ولو دققت في خريطة العالم اليوم ستجد تلك الجزر الصغيرة «التوابع» لأمريكا مبعثرة في المحيط الهادئ، علما بأن مواردها الرئيسة كانت الإخة. ومن الطرائف أن بعد كل هذه «الهيصة» بحوالى خمسين سنة اكتشف العالم الألماني «فريتز هابر» طريقة عبقرية لصناعة السماد من خلال استخراج النيتروجين من الهواء، وبدون الحاجة إلى قرف الروث. فذهب ريح جزر الإخة، ولكن إحدى مزاياها ظهرت في القرن العشرين وهي استخدامها كمواقع مدرجات للطائرات لتصبح نقاط وصل للرحلات الجوية طويلة المدى. وكانت أيضا أحد أهم المسارح للعمليات الحربية الجوية خلال الحرب العالمية الثانية بين الولاياتالمتحدة واليابان. أمنية: تخيل هذه العلاقة الغريبة: أجهزة الطيور الهضمية النشطة، والنيتروجين، والزراعة، والمتفجرات، والجغرافيا. أتمنى أن ندرك أن بعض من أهم أسرار العالم تكمن في غرائب لا يعلمها إلا الله عز وجل، وهو من وراء القصد.