برحيل الرائد عبدالفتاح أبومدين، تُشرع أبواب الذكريات على مصراعيها، لتستعاد أقوى معارك أدبية وسجالات ثقافية بين الصحويين وبين الحداثيين، وكان «الفتى مفتاح» نصيراً للحداثة، ما تسبب في عزله ثلاث مرات. كان حكيماً في التعامل مع مناوئي الحداثة، ففي ليلة تكريم الشاعر محمد الثبيتي بمناسبة فوز ديوان «التضاريس» بجائزة الإبداع عام 1989، تجمهر متشددون في النادي، فقرر إلغاء الحفل، وطلب من «سيّد البيد» المغادرة تفادياً للتصعيد، وأبلغ المحاضر الناقد زكي ناصيف أن يقول أي شيء بعيدا عن المناسبة، وعندما بدأ أحد الحضور يهاجم النادي والديوان، قال له: «المناسبة تم تأجيلها ولا داعي لهذا الكلام». ويؤكد الناقد الدكتور عبدالله الغذامي، أن أبا مدين أتاح منصة «أدبي جدة» لبعث فكري ونقدي وإبداعي، فغدا النادي في عهده مدرسة فكرية في الحداثة والتجديد، وكشف المواهب وتحفيز العقول، في أرجاء المملكة كلها، مشيراً إلى أن أبا مدين رحمه الله فتح النادي للأسماء العربية من كافة أرجاء المعمورة بما في ذلك مهاجر أوروبا وأمريكا، وأصبح النادي علماً ثقافياً عربياً بمنتوجه واستقطاباته. ولفت الغذامي إلى دور الراحل في الحراك الثقافي واستيعاب المعارك الحامية والصدامات الفكرية الحادة بين الحداثة والصحوة في الفترة من 1987 حتى انتهاء عقد من الزمان، وأكد حكمة الفقيد في تدارك بعض اللحظات الحرجة عندما تكتظ قاعة النادي بالحضور المتحمس، وتتصاعد النقاشات حد التوتر أحياناً، ما تسبب في عزله ثلاث مرات، وتمت إعادته، بسبب تحمس الوسط الثقافي والاجتماعي له وتضامنهم معه، وتقديراً من الرئيس العام لرعاية الشباب سابقا الأمير فيصل بن فهد لدور أبي مدين، ومعرفته لجديته وصدقه في صناعة جيل واع وفي تسخير طاقات النادي للفكر المتجدِّد والثقافة الحديثة.