«ستبقى الكروت الشخصية بقدر ما ستبقى مصافحة الأيدي بين الناس، البزنس كارد لن تموت»، هكذا عنونت مقالها الكاتبة جوزفين مولدز في الغارديان، الذي قالت من خلاله إن الكرت الشخصي يقول الكثير عنك ويقدم عنك معلومات أكثر مما تتصور، أتفق معها بالتأكيد، فالكرت الشخصي الذي يحمله الناس معهم في الاجتماعات والمناسبات العامة ليس مجرد كرت، وليس ورقة كرتونية تلقى غالبا لحظة الافتراق أو في أفضل الأحوال تحبس في الأدراج والأرفف، بل حتى الكرت الشخصي الإلكتروني «الباركود» لم يجد هذا الإقبال الذي لا زالت تحتفظ به الكروت الورقية، فالبرستيج والتنميط المجتمعي لفكرة «الكرت» جعلت البعض يحرص على طباعة أكثر من كرت! وبرسائل مختلفة، أصبح الأمر عبئا على حامل الكرت ومستقبله بل في بعض المناسبات قد تعود ومعك عشرات الكروت التي أكاد أجزم بأنك لن تعود إليها. إن صناعة الانطباع الأول بين الناس حرفة لا يتقنها إلا المحترفون، فترك شعور جيد في نفس من يراك أهم بكثير من ترك كرتك الشخصي المزركش بشهاداتك ومنصبك وأرقامك وعنوانك ومقاس قميصك!، قبل أن تطبع كرتك الشخصي اصنع شخصيتك، اصنع بصمتك، اجعل اسمك براندا، لهذا تعجبني جدا الكروت الشخصية التي تحمل أسماء أصحابها فقط ووسيلة التواصل، سردك لوظائفك ومنصبك يجعلك تتوهم أن الناس يريدون الوصول إليك لأجلها، بل في الكثير من الأحيان قد يكون منصبك أو سلطتك سببا كبيرا في انصراف الناس عن الاهتمام بك، بل قد تخسر قلبا يحبك فقط لهذه الهالة القاتمة حولك التي لا تجذب لك سوى المزيفين. نعم من الجميل أن تحمل معك وسيلة تجعل المهتمين والمقربين يتواصلون معك من خلالها، لكن من المهم أن نعي أن كل ما نمارسه في حياتنا هي رسائل تختلف في عناوينها ومضامينها ومستقبليها أيضا، فكن حريصا أن تكون رسالتك واضحة وصريحة وحقيقية، لا مانع من أن تضع شعارات المنظمات التي تعمل بها أو تمثلها، لكن الاستماتة في تدوين درجتك العلمية أو تخصصك في نهاية المطاف لا يعني للآخر شيئا طالما أن إنجازاتك بعيدة جدا عنها، في ثقافتنا العربية المهلهلة نستميت بشكل منفر لذكر الألقاب واحترام وجهة نظر أصحابها، لكن صدقا أجد أننا تأخرنا كثيرا في التخلص من هذه المسميات. الكرت الشخصي هو البصمة المهنية التي تصنعها منذ لحظة ميلادك. في مقال سابق لي بعنوان «بروفايل - ملف شخصي» كنت مهتمة جدا بتوضيح فكرة الهوية المهنية، هنا أنا أنتقل للمرحلة التي تلي الملف وهي الكرت والأدوات والرسائل، كل إنسان في هذه الحياة لديه شيء ليقدمه، مهما استطالت وعلت حدود معرفتك تواضعا، وانحنى بعطف ومحبة أمام الأمور التي تعرفها جيدا ولكن تدرك أن رأيك قد يجعل الأمر أكثر ثقلا أو حتى التنازل والتجاوز عن التوكيد الذاتي، في النهاية نحن بشر علينا أن نجعل هذا الكوكب أكثر انسيابية ونفكر في ما يجمعنا معا، كرتك، وظيفتك، مكانتك، رصيدك البنكي، أو حتى أسهمك في أرامكو هي شأنك الخاص، حسن تعاملك فقط هو شأننا العام. * كاتبة سعودية [email protected]