تتجه وزارة العمل إلى تصنيف المهن وهيكلة بعضها ومسمياتها في الإقامات والتأشيرات، ليتم مستقبلاً إلغاء تأشيرة أو مهنة «عامل أو عاملة» من نظام الوزارة نهائياً، وفي نفس الوقت إطلاق برنامج الفحص المهني للعمالة مرحلياً من دول محددة، وسيكون اختيارياً لمدة عام. هذا التنظيم المرتقب الذي كشف عنه مدير برنامج الفحص المهني في الوزارة الأستاذ نايف العمير، سيبدأ بعد أسابيع قليلة بالسباكة والكهرباء التي تقدر عدد عمالتهما في سوق العمل بالمملكة بأكثر من 200 ألف عامل، والمرحلة الثانية في أبريل من العام القادم في مهن: التبريد والتكييف وكهرباء السيارات، والميكانيكا، ثم المرحلة الثالثة لمهن: النجارة، الحدادة، واللحام، وبعدها مهن: التلييس الدهان، والتبليط، وأخيراً في يناير بعد القادم عام 2021 لمهن: البناء، السمكرة، والفنيين. بهذه الخطوة تبدأ الوزارة تفكيك معضلة كبيرة عانى منها سوق العمل لزمن طويل يمتد لنحو نصف قرن، وهي عشوائية قطاع المهن الخدمية والفنية، وبدايتها كانت من الكفلاء الأفراد الذين جلبوا على مدار عقود زمنية ملايين العمالة تحت مسميات مختلفة من المهن، كثيرون منهم جاؤوا بمهنة (عامل) وبدون تخصص وعملوا في غيرها، حتى تم قصر العمل وفق المهنة وتشديد العقوبة على مخالفتها. فوائد كثيرة ستعود على المجتمع وسوق العمل والاقتصاد ككل بهذا التنظيم الجديد للمهن الذي سيختزل نحو 2870 مهنة إلى 259 مهنة فقط وربط ذلك بمنصة (اعتماد) للمناقصات الحكومية ونظام إصدار التأشيرات، وبالقطع يأتي ذلك لصالح الكوادر السعودية التي سيمكِّنها من المنافسة العادلة والحقيقية بهذه القطاعات في سوق العمل، خاصة خريجي مراكز المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني المتخصصين، ومستقبلاً قيام استثمارات تدريب أهلية للشباب الراغب في هذه المجالات ذات العائد الجيد سواء كمهنة أو ريادة أعمال. أيضاً سيسهم التصنيف المهني في إنهاء ثغرات التستر والحد من العمالة غير الماهرة، خاصة في ظل وجود 3 ملايين عامل لا يملكون شهادات عليا إنما خبرات بالممارسة في بلدنا، نصفهم في مهن حرفية وعمالة عادية غير متخصصة تغش برخص أجورها. إن الخدمات الرديئة في مجالات كالصيانة وأشغال السباكة والكهرباء والبناء والتشييد وغير ذلك من الأنشطة، كلفت المجتمع مليارات بسوء التشطيبات والتركيبات، وتلك من مثالب العمالة الرخيصة وأخطائها وأخطارها لأنها في الأساس (غش مهني) كأي صانع سلع مغشوشة تأتينا وتجلب الخسارة والخطر للمستهلك، وكم من سيارات وعمائر وغيرها أصابها الضرر جراء ذلك، والتكاليف الباهظة لإعادة إصلاح ما أفسدته مثل تلك العمالة. ولهذا مع التصنيف المهني سيرتقي سوق العمل بجودة الخدمة وليس حسب الأرخص على طريقة (تمشية الحال)، رغم ما قد يظهر على المدى القصير من ارتفاع وتضخم في كلفة الخدمات بعد هذه الإجراءات، لكنه سيستقر على المدى المتوسط وفي نفس الوقت تتوفر عوامل الجودة بدرجة كبيرة وستطرد أمامها الخدمة الرديئة من سوق العمل الذي سيتم تنظيمه حسب الحاجة والكفاءة. إن تنظيم المهن في سوق العمل أمر جيد ومفيد لأصحاب التخصصات وللخدمات وللاقتصاد، مثلما هو الحال في التخصصات الفنية الصحية والهندسية للجميع بما في ذلك السعوديون والسعوديات، لضمان الارتقاء بالأعمال والمنافسة الصحيحة بما يحقق الجودة، ويحفز شبابنا من الخريجين المتخصصين والمتدربين ورواد ورائدات الأعمال الذين ينهضون ويكبرون بمشاريعهم وأعمالهم في ظل مثل هذا التنظيم الذي طال انتظاره لإنهاء الاقتصاد الخفي وتصحيح تشوهات سوق العمل. * كاتب سعودي [email protected]