الأحداث التي شهدتها مناطق الجنوب اليمني بين الشرعية والمجلس الانتقالي لا تقل خطورة وتهديدا لليمن عن الانقلاب الحوثي، لقد مثلت فرصة كبرى لكل خصوم اليمن والتحالف ومدخلا لإفشال مشروع الدولة اليمنية وتمكينا للانقلاب وللإرهاب. الأخطاء الكامنة في أداء الشرعية على مختلف المستويات وأخطاء الانتقالي في العمل خارج مظلة الشرعية والتوجس المتبادل من الطرفين، أفضى إلى حالة من العداء المتبادل الذي انتهى بالاقتتال وبفتح جبهة جديدة لا أفق لها، فلا يمكن للانتقالي أن يحقق أي شيء خارج مظلة الشرعية ولا أن يمثل كيانا أو دولة يمكن أن يعترف بها العالم ومع ذلك يظل تكوينا يمنيا مهما. بالمقابل فالأخطاء التي تحيط بأداء الشرعية تنمويا وسياسيا وعسكريا انعكست سلبا على كثير من التشكيلات السياسية اليمنية التي باتت تتوجس من المستقبل وتخشى على مكاسبها ووجودها السياسي، بل إن الأداء التنموي المتراجع من قبل الشرعية في المناطق المحررة أدى بالناس إلى التعلق بأي مظلة أو كيان جديد يمكن أن يمثل فرصة جديدة للتنمية والأمن والخدمات. خرجت الأمور عن السيطرة ومثلت واحدة من أسوأ المراحل في اليمن منذ انطلاق مشروع عاصفة الحزم ومشروع إعادة الأمل، لكن التحالف بقيادة المملكة كان حازما ربما إلى الدرجة التي لم تتوقعها مختلف القوى اليمنية ولا الإقليمية أيضا، وفي أحد البيانات الصادرة عن التحالف تعليقا على تلك الأحداث قال بكل وضوح إنه لم يتوان في استخدام كل الأدوات الممكنة لوقف أي نزاع أو اقتتال أهلي يفسد المشروع الكبير المتمثل في إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الشرعية. لقد كانت تلك الفترة أسوأ فترات الأزمة اليمنية، إنها فترة الرصاص الضال الذي لا أفق ولا هدف له، لأن كل رصاص في اليمن لا يوجه نحو الميليشا الحوثية الإيرانية أو نحو الإرهاب فهو موجه نحو الدولة والإنسان والمستقبل. الحزم الذي يبديه التحالف ليس عسكريا فقط بل سياسي أيضا، وهو ما أنتج لليمن وللمنطقة واحداً من أهم الأحداث والتحولات والمتمثل في اتفاق الرياض. لم يكن للتحالف أن يسمح على الإطلاق بجبهة جديدة في اليمن لا أفق لها ولا يمكن أن تحقق شيئا سوى التشويش على مشروع التحالف واستعادة الدولة، وفي المقابل لم يكن ثمة أفق لتلك القوى المتصارعة سوى مزيد من الفوضى والدمار. من هنا يمثل اتفاق الرياض واحداً من أبرز وأهم المنعطفات الإيجابية التي شهدتها اليمن والفرصة الكبرى والسانحة نحو المستقبل، لقد أدت الأحداث التي شهدها اليمن منذ العام 2011 إلى خلخلة كبرى في واقع القوى والكيانات السياسية وبالتالي في واقع تأثيرها على الأرض، وهو ما يستلزم إعادة توجيهها من جديد خاصة وأن معظمها قوى وطنية علمانية لا تحمل أي مشروع أيديولوجي أو مذهبي. أعاد اتفاق الرياض الاعتبار لمختلف القوى اليمنية في الداخل اليمني الذي استعاد ثقته بتلك القوى واستعاد طموحه بمستقبل أفضل، لقد مثل الاتفاق منعطفا جديدا في الواقع السياسي اليمني وفي الواقع الاقتصادي والتنموي أيضا. عبر جدول زمني واضح ومحدد تنطلق القاطرة اليمنية من جديد من خلال اتفاق الرياض الذي لا يمثل مرحلة جديدة في مواجهة الانقلاب فحسب، بل مرحلة جديدة في الأمن والتنمية. إقليميا يمكن القول إن اتفاق الرياض لا يقل أهمية عن الأحداث التي تشهدها المنطقة في لبنان والعراق، إنه توحيد جديد للصفوف ضد الخطر الكبير في المنطقة الذي تمثله إيران ومختلف أذرعها وميليشياتها. * كاتب سعودي [email protected]