مضى زمن على الخطوة المميزة التي نقلت عمل الأمانات إلى آفاق أرحب وأوسع، تمثلت في تفويض معالي الدكتور ماجد القصبي الوزير المكلف للشؤون البلدية والقروية لأمناء المناطق والمحافظات في ممارسة صلاحياتهم، وإلغاء المركزية في اتخاذ القرار، مركزية قتلت طموحات المدن وجمعت الصلاحيات في يد واحدة لأسباب واهية عفى عليها الزمن، خاصة في ظل رؤية طموحة انطلقت نحو هدفها منذ اليوم الأول لتصل إلى محطتها الأخيرة في عام 2030 بإذن الله. رؤية تشكل مستقبل الوطن وطموحاته النهضوية وتسخر إمكاناته المتعددة للانتقال بالدولة ومؤسساتها وبالمجتمع إلى المكانة اللائقة التي يستحقها بين الأمم. (المركزية) تعني احتكار القرار مما يؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية لبقية الأفراد وانتشار السلبية والروتين، وبالتالي تعطل العمل وإهماله، وهو ما حدث في الماضي، مع عدم وجود مراقبة دقيقة ومحاسبة موجعة للمهمل والمتكاسل، مما أدى إلى الكثير من السلبيات القاتلة والتي قضت على روح المدينة وأجلت مشاريع مهمة، لتسيد المركزية والروتين القاتل مفاصل المدن، ولتصبح (العكاز) الذي يتوكأ عليه المسؤول في حال تأخر إنجاز العمل المطلوب. قرار الوزير القصبي أتى ليكون التحرك بشكل سريع لأداء المهام المنوطة بالأمانات بكفاءة عالية لتحقيق أداء مؤسسي مميز أساسه الاستدامة والتوازن، فسرعة إيقاع حركة واقعنا اليومي ومستجداتها، يواكبها وعي جماعي بأهمية جودة الحياة وتطلعات مواطن يحاول جاهداً أن يضبط إيقاع حياته اليومية على إيقاع المتغيرات من حوله، هادفاً إلى حياة آمنة مستقرة تحقق أحلامه بعد سنوات عجاف من التصحر والجفاف والتعب. الأمين (صالح التركي) يحمل من الشفافية والصدق والتطلع المخلص إلى مواكبة التغير والنهوض بمدينة جدة التي أتعبتها الأيادي الكثيرة عبثاً بشكلها الجمالي وإنهاكاً لبنيتها التحتية وممارسة شتى أنواع التجارب عليها، وحتى يكون (لصالح) القدرة على تغير السلبيات في جدة، ويترجم عشقه إلى واقع ومحسوس تزفه مشاعره الوطنية وإخلاصه لأمانته والقدرة على مواكبة التغير وفرض الجودة وصناعة الحياة، فلا بد من أن يفوض الكثير من صلاحياته المنوطة به أخيراً، إلى رؤساء البلديات الفرعية وإدخالهم ضمن منظومة الأمانة وإجبارهم على تحسين خدمات المناطق التابعة لهم والالتفات إلى ما يدور في شوارعها ومراقبتها ميدانياً وليس من خلف مكاتبهم، فلا زالت أغلب الأحياء مهملة تدور في جنباتها الفوضى ويعمها الخراب، فالشوارع محفرة والأرصفة مكسرة والبلاطات خارجة عن سياقها وأعمدة الإضاءة ما بين مكسور ومحروق ومُطفأ، صبات أسمنتية متآكلة لا صاحب لها، تستخدمها كل الجهات الحكومية وترمى بها على الرصيف، مراكز تجارية تمارس الفوضى وتستغل المكان دون عقاب، أشجار تشابكت فروعها حجبت البقية الباقية من أعمدة الإضاءة وسكنتها الغربان لا أحد يَحُد من تغولها، أكوام زبالة طافحة من الحاويات، تبعثرت بقاياها على الأرض عليها غمامات سود ذباب وناموس وصراصير تطير، أراض بيضاء لا زالت متروكة على حالها تسف ترابها على المدينة وبيوتها، حتى الشوارع الرئيسية ترصف اليوم لتحفر غداً في غياب البلديات الفرعية وسباتها الطويل، فيأتي الإسفلت أعلى من الشارع أو أوطى منه حسب مزاج المقاول، أغطية سوداء مزروعة بطول الشوارع وعرضها خافضة رافعة من مستواها تتكسر عليها السيارات وهي تتفاداها حتى لا تسقط فيها أو تصدم بسيارة أخرى. ورش الإصلاح تم نقلها خارج المدينة مشوارها طويل مكلف خاصة مع زيادة أسعار البنزين وضريبة المبيعات وغلاء قطع الغيار التي لا رقيب عليها، لا يوجد رصيف واحد سليم يمكن المشي عليه، حدائق كانت مزهرة ماتت أشجارها وانطفأت أنوارها بعد أن تم إلغاء عقود ري الحدائق لتصبح مرمى للمخلفات وسكنا لهوام الأرض، أغلب أحياء جدة الشمالية تعيش ظلاما دامسا، ناهيك عن الأحياء الأخرى لم يكلف أحد نفسه من الأمانات الفرعية لإصلاحها، المشكلة تبدأ ببلاطة وتهمل وحفرة وتترك ثم تتكاثر الحفر وينفرط عقد الرصيف ليتكوم حجارة على الطريق، البلاغات (ذهب مع الريح) ووعود ليس لها تحقيق، إسفلت بعض الشوارع اختفى تماماً. أحياء تعاني من الإهمال والفوضى والخراب، ليس في مقدور الأمين أن يرى كل هذه العيوب التي تفتك بالمدينة، عليه أن يمنح صلاحياته إلى رؤساء البلديات الفرعية ومنسوبي الأمانة والعاملين عليها لتحسين جودة الحياة ومراقبة الشوارع وتغريم المخالف وأن يكون المواطن وصاحب العمارة ومالك السوق وراعي محطة البنزين وشاغل الدكان شركاء للأمانة لإزالة التشوهات البصرية الصادمة في الشوارع والأحياء، والارتقاء بالخدمات ومتابعتها بدقة لمعاقبة المقصر وفرض الغرامات الموجعة وتفعيل تلقي البلاغات لتكون حقيقة وليس لامتصاص غضب الناس، وإنما وفق مؤشرات أداء تحسين الخدمات لتعود لجدة روحها وتسطع قناديل الفرح في سمائها، جدة مدينة تحتاج إلى عناية أكبر وأفضل وأجمل وهذا وقته. * كاتب سعودي [email protected]