هما يلتقيان بشكل منتظم، ويتعانقان بكل حب واحترام، ويتدارسان بعمق في أمور الحرمين الشريفين، والأمة الإسلامية. ولكن لقاء مساء البارحة كان مختلفا من حيث المضمون وطبيعة الزيارة. إنه لقاء الشيخ المحب، بكبير أئمة الحرمين الشريفين، وهذا هو المسمى الذي أطلقه عليه تكريما وتقديرا لمكانته الرفيعة. لم يكن لقاء الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ عبدالرحمن السديس مع إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ علي الحذيفي، عندما زاره بمنزله في المدينة، عاديا. ولم يكن هذا اللقاء لتدارس أمور الحرمين الشريفين، بل كان مزاورة حميمية للاطمئنان على صحة فضيلته، بعد التوعك الذي حدث له أخيرا، وهو في أتم الصحة والعافية، إذ تشرفت بحضور اللقاء، عندما قمت بزيارة مماثلة للشيخ علي الحذيفي للاطمئنان على صحته. وما إن علم الشيخ علي الحذيفي بوصول الشيخ السديس إلى المنزل، حتى أصر على استقباله في مدخل المنزل، وتعانق الشيخان بحميمية بالغة، وقبّل السديس رأس كبير الأئمة، وهنأه بالخروج من المستشفى وهو في أتم الصحة والعافية. في المقابل، أبى الشيخ السديس إلا أن يجلس بجوار فضيلة الشيخ الحذيفي في مجلسه، رغم إصرار الشيخ الحذيفي عليه أن يتصدر المجلس. ودار حديث حميمي مليء بالحب والإخلاص والعرفان للشيخ الجليل الحذيفي. ونقل الشيخ السديس تحيات وتقدير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان للشيخ الحذيفي، وسؤالهما عن صحته باهتمام بالغ، ودعائهما له بأن يمن الله عليه بتمام الصحة والعافية. وقال الشيخ السديس موجها حديثه للشيخ الحذيفي: «جئتكم حاملا رسالة الحب والاحترام والتقدير من ولاة أمر هذه البلاد المباركة، وتوجيهات القيادة الحكيمة بعلاجكم في أي مستشفى في الداخل أو في أي مكان في العالم». وأكد أن ولاة الأمر يدعون له بتمام الصحة والعافية. ورد الشيخ الحذيفي: «هذا غير مستغرب من القيادة الحكيمة، وأشكرهم على مبادرتهم الكريمة، وبفضل من المولى عز وجل أتمتع بصحة وعافية وأدعو أن يحفظ الله ولاة أمر هذه البلاد المباركة، الذين يقدمون الغالي والنفيس لخدمة الحرمين الشريفين والأمة الإسلامية». ثم دار حوار تخلله كثير من الأحاديث والذكريات الماضية؛ بهدف الترويح عن نفس الشيخ الحذيفي، إذ طلب الشيخ السديس من الشيخ الحذيفي أن يقضي فترة من الوقت للراحة والاستجمام، ويعود مرة أخرى لمحراب الرسول الكريم وللإمامة. واقترح أن يقوم هو شخصيا بالقيام بدوره في الإمامة وصلاة الجمعة، بحضور إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ صلاح بدير وعدد من أصحاب الفضيلة وأبناء الشيخ الحذيفي، الذين استمعوا لهذا الحوار العفوي والحميمي، والذي يعكس حرص السديس على أن يقضي الحذيفي وقتا للراحة. ورد عليه الشيخ الحذيفي مبتسما: «جزاك المولى عز وجل خيرا يا شيخنا، لقد أدخلتم الفرحة والحبور والسرور بقدومكم وبحواركم وحبكم وتقديركم غير المستغرب». وهنا تدخل أحد الزملاء الحاضرين في المجلس، وهو «طبيب»، بمداعبة، مخاطبا الشيخ السديس: «يا شيخنا السديس، شيخنا الحذيفي لا يسمع نصائح الأطباء ولا يرغب بالخلود للراحة، ويصر على الذهاب للمسجد النبوي للإمامة. ورد عليه الشيخ السديس فورا قائلا: أبدا، أنا كرئيس لشؤون الحرمين من عندي إجازة شهرين للشيخ الحذيفي»، موجها كلامه لمدير مكتبه عبدالعزيز الأيوبي. وقال الشيخ السديس: «إن تمام صحتكم لا تهمنا جميعا فحسب، بل تهم الأمة الأمة الإسلامية قاطبة». وأضاف: «لقد تلقت الرئاسة العامة للحرمين اتصالات من أمريكا وباكستان وبنغلاديش». وأردف قائلا: «لقد تلقيت شخصيا اتصالات من دول عدة في العالم يدعون للشيخ علي الحذيفي بتمام الصحة، فصحتكم هي صحة للأمة الإسلامية، ونعم هذه هي قيادتنا الرشيدة، وهذا هو ديدنهم من عهد المؤسس الملك عبدالعزيز (رحمه الله) حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فاحترام أصحاب الفضيلة العلماء واجب، وسؤالهم عنهم دائم، وعندما يأتي الأمر لفضيلة الشيخ الحذيفي، فإن السؤال عن صحته غير مستغرب، والمبادرة لعلاجه في أي مكان سواء في المملكة أو في العالم أيضا غير مستغربة». وزيارة الشيخ السديس للشيخ الحذيفي أيضا واجبة وحق؛ لأن هذه أخلاق أصحاب الفضيلة العلماء، وهذا هو الاحترام والتقدير لهم الذي وضع أسسه الملك عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله)، واستمر على نهجه خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسيستمر ما دامت السماوات والأرض. وبحسب ما قاله لي أحمد (نجل الشيخ الحذيفي)، فإن صحة الشيخ الحذيفي في تحسن مستمر، وسيقضي وقتا للراحة والاستجمام ويعود للإمامة قريبا، شاكرا ولاة الأمر على اهتمامهم. وقدم الشكر لأمير منطقة المدينة ونائبه، والشيخ عبدالرحمن السديس، وأصحاب المعالي والفضيلة والعلماء وجميع أفراد الشعب، الذين سألوا عن صحة الشيخ علي الحذيفي. وحظي الشيخ الحذيفي، الذي ولد عام 1947 في قرية القرن المستقيم ببلد العوامر في جنوبمكة، بالاهتمام والعناية في مستشفى الملك فهد من قبل الأطباء. إنه الرئيس العام في حضرة كبير أئمة الحرمين، عندما يتلاقى الإخلاص مع العرفان تكون النتيجة مزيدا من الحب والتقدير. الشيخان الحذيفي والسديس.. صنوان.