افتتحت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) مركزا للأبحاث في حرم الجامعة في ثول يهدف لدعم الأبحاث المتعلقة بالزراعة المحلية والإقليمية، وترجمتها إلى حلول حقيقية تعود بالنفع لمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي وما بعدها. ويدعم مركز الزراعة الصحراوية (CDA) الأبحاث التي تعنى بوضع حلول للمشكلات العالمية المتعلقة بتوفير الغذاء الذي يعتبر أحد مجالات أبحاث الجامعة الإستراتيجية ال4 التي منها الماء والطاقة والبيئة. وقال نائب الرئيس للأبحاث في الجامعة دونال برادلي: «إن افتتاح مركز الزراعة الصحراوية يمثل المرحلة التالية في تطويرنا لقوة بحثية طويلة الأمد في كاوست، خصوصا في هذا التوقيت الذي يتطلب وضع حلول للعديد من التحديات الرئيسية التي تواجه المجتمعات كتوفير الأمن الغذائي، الذي يعتبر إلى جانب الماء والطاقة من المحاور الإستراتيجية التي تسخر له الجامعة كافة قوتها الفكرية وطموحها الإبداعي. أتمنى كل التوفيق للبروفيسور وينغ والبروفيسور تيستر في هذه المبادرة الجديدة ونتطلع بشوق إلى إنجازاتهما الكبيرة في المستقبل». تأمين الغذاء سيقود كل من البروفيسور رود وينغ، الذي انضم إلى كاوست في فبراير الماضي، والبروفيسور مارك تيستر، الذي يعمل في الجامعة منذ فترة طويلة، إدارة مركز الزراعة الصحراوية، وسيواصل البروفيسور وينغ عمله الرائد في دراسة التباين الطبيعي بين نباتات المحاصيل الزراعية ومثيلاتها البرية بهدف استدامة نمو المحاصيل وتوفير غذاء يكفي لإطعام 10 مليارات شخص بحلول عام 2050. كما سيواصل البروفيسور تيستر بصفته مديراً مشاركاً للمركز تطوير أبحاثة المميزة في تحمّل الملوحة في المحاصيل الرئيسية للمنطقة، مع أعماله الأخرى في مشروع نيوم العملاق. وقال رود وينغ: «أشكر قيادة «كاوست» على إتاحة الفرصة لي لقيادة مركز الزراعة الصحراوية الذي سيركز أبحاثه على توفير الغذاء من خلال إيجاد حلول مستدامة لنمو المحاصيل في البيئات القاسية». وتمتلك «كاوست» تراثاً من الأبحاث الرائدة والمؤثرة في مجموعة من المجالات ذات الصلة بالزراعة الصحراوية، وبيولوجيا النباتات، وجينوم النباتات، وأبحاث الميكروبات، ومكافحة الآفات، والاستزراع المائي وغيرها. وسيواصل البروفيسور سالم الببيلي من كاوست أبحاثه التي تمولها مؤسسة بيل وميليندا غيتس، لتطوير إستراتيجيات حقيقية لمكافحة انتشار آفة النباتات الطفيلية (ستريغا)، وسيواصل الباحث المشهور أستاذ علوم النبات في «كاوست» هريبرت هيرت أبحاثه الرائدة عن الأمن الغذائي العالمي. يقول مارك تيستر: «سيساهم افتتاح مركز أبحاث الزراعة الصحراوية في «كاوست» في تطوير أبحاث الزراعة في المملكة والمنطقة بشكل كبير». التعديل الجيني للنباتات وكانت المجلة العلمية Nucleic Acids Research قد نشرت في وقت سابق ورقة بحثية تناولت بحثاً مهماً يجرى بالتعاون بين مختبرين في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وهما مختبر البروفسور سمير حمدان، الأستاذ المساعد في العلوم البيولوجية، ومختبر البروفسور نينا فيدوروف، الأستاذة البارزة في العلوم البيولوجية. وتشرح هذه الورقة طرق التعديل الجيني على نباتات المحاصيل الزراعية التي يمكن أن تجعلها أكثر تحملاً للإجهاد والظروف الطبيعية المجهدة والقاسية. يقول البروفسور حمدان: «كان من نتائج التعاون مع مختبر البروفسور فيدوروف أن قام مختبرنا بمبادرة كبيرة قبل عامين لزيادة إسهاماتنا في المحاور ال4 البحثية الرئيسية للجامعة المتمثلة في الغذاء والماء والطاقة والبيئة». وبدأ البروفسور حمدان وفريقه بإجراء الأبحاث الحيوية على المستوى الجزيئي لنوع محدد من الحمض النووي الريبي (RNA) في النباتات يسمى (miRNA). يتم في الخلايا الحية نسخ المعلومات الجينية من الحمض النووي الصبغي (DNA) إلى ناقل الحمض النووي الريبي (mRNA) ثم تترجم هذه المعلومات الجينية إلى البروتينات اللازمة لأداء الوظائف الحيوية. جزيء (miRNA) عبارة عن تسلسل قصير من الحمض النووي الريبي (RNA) مسؤول عن ضبط التعبير الجيني، ويعمل عن طريق اتصاله بناقل الحمض النووي الريبي mRNA (الهدف) لضبط عملية ترجمة المعلومات الجينية أو كبتها. يقول البروفسور حمدان: «يلعب الحمض النووي (miRNA) دوراً مركزياً في نمو النبات واستجابتها للبيئات المجهدة، بما في ذلك الاستجابة للجفاف والحرارة والملوحة العالية وتأثيرات البكتيريا والفيروسات. لذلك من المهم جداً فهم كيفية نشوء الحمض النووي (miRNA) التي يمكن أن يستفاد منها بصورة كبيرة في تعديل جينات النباتات وزيادة قدرتها على تحمل الإجهاد، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية». أبحاث الأحماض النووية طور مختبر البروفسور فيدوروف أول نظام معالجة لجزيء (miRNA) في المختبر، بدءاً بتحديد مسارات المعالجة للمعلومات الجينية له. وقد أعرب البروفسور حمدان عن مدى سعادته بالعمل مع البرفسور فيدوروف في التوصيف الجزيئي للحمض النووي (miRNA). درس الباحثون عملية إنتاج الحمض النووي (miRNA) في نبات Arabidopsis thaliana - وهو نبات نموذجي يستخدم غالباً في دراسات علم الوراثة الجزيئي - إذ تبين أنه يتم التحكم في إنتاج الحمض النووي (miRNA) بواسطة أنزيم يسمى DCL1 وبروتينين آخرين هما HYL1 وSE. يقول البروفسور حمدان: «للبروتين SE دور كبير في تكوّن الحمض النووي (miRNA) في كل من النباتات والحيوانات. وقد قدمنا في بحثنا أوّل توصيف لتفاعلات SE مع الحمض النووي الريبي RNA وكيف يعزز SE من نشاط أنزيم DCL1». ويقول البروفسور حمدان إن فريقه لم يتوقع مدى تعقيد التفاعل بين SE مع الحمض النووي الريبي RNA وإنزيم DCL1 نظراً لحجم التغييرات والتبديلات في البروتين التي يعززها الحمض النووي الريبي RNA نفسه. وهذا يدل على أن فك شفرة الآلية الجزيئية لتكوّن الحمض النووي (miRNA) سيكون أمراً صعباً جداً ويحتاج إلى أبحاث كثيرة في المستقبل. ويصف البروفيسور حمدان التعاون مع مختبر البروفيسور فيدوروف بأنه مهم جداً؛ لأنه يجمع بين منهجين تجريبيين متكاملين وقويين في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. حيث يمتلك مختبر البروفيسور فيدوروف الخبرة في زراعة الخلايا النباتية المعلقة وإجراء دراسات علم الوراثة النباتية وبيولوجيا الخلية. في حين يمتلك مختبر البروفيسور حمدان الخبرة في تطبيق المناهج الفريدة التي تجمع بين تقنيات الكيمياء الحيوية والفيزياء الحيوية التقليدية مع المراقبة في الوقت الفعلي باستخدام تقنيات تصوير الجزيء الواحد لدراسة آليات اتصال مركبات الأحماض النووية متعددة البروتينات. ويأمل البروفيسور حمدان وفريقه بأن يتمكنوا من تقديم صور جزيئية للحمض النووي (miRNA) على مستوى جزيء واحد وبدقة عالية جداً، الأمر الذي سيساعدهم على فك آلية تكوّنه الديناميكية المعقدة للغاية وبصورة كاملة. البروفيسور وينغ: مهمتنا صناعة حلول للزراعة بمياه أقل! تعد دراسة نمو النباتات في الصحراء ومقاومتها للجفاف والظروف البيئية القاسية من الاهتمامات البحثية للبروفيسور رود وينغ، الأستاذ المشارك في قسم العلوم والهندسة البيولوجية والبيئية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. إذ يجري البروفيسور زيونغ أبحاثاً مكثفة لدراسة نمو النباتات في البيئات القاسية كالبيئات الصحراوية حيث درجات الحرارة المرتفعة وندرة المياه. وتهدف أبحاثه بصورة خاصة إلى الإجابة عن 3 أسئلة مترابطة هي: كيف يقلل النبات من استهلاكه للمياه؟ وكيف يقوم بزيادته؟ وكيف يستطيع مقاومة الظروف البيئية القاسية؟ تحدثنا مع البروفيسور زيونغ لنتعرف على منهجه البحثي المسمى (النبات الكلي) وحلوله المطروحة لتحسين تحمل النباتات للجفاف، فكان الحوار التالي: • أين تكمن أهمية البحث الذي تقومون به؟ •• تمر النباتات بظروف بيئية مختلفة وقاسية مثل ارتفاع درجة الحرارة وارتفاع ملوحة التربة والجفاف. وقد تتعرض إلى جميع هذه الظروف القاسية في وقت واحد عندها تقوم النباتات باستعمال آليات محددة لمقاومتها. وهذا ما نعكف على دراسته هنا في الجامعة نظراً لانتشار مشكلة الجفاف في العالم التي تؤثر سلباً على إنتاج المحاصيل الزراعية وتطرح تحدياً كبيراً للمجتمع العلمي في العالم بصورة عامة وفي جامعة الملك عبدالله بصورة خاصة، التي يعتبر الماء والغذاء من محاور أبحاثها الإستراتيجية. تتبع النباتات عدة طرق للتكيف مع ظروف ندرة المياه. الطريقة الأولى هي تخفيض استهلاكها للمياه من خلال الحد من عملية النتح (عملية خروج الماء على شكل بخار من أجزاء النبات المعرضة للهواء خصوصاً الأوراق). والطريقة الثانية هي بزيادة امتصاص المياه، من خلال زيادة نمو جذورها لتصل إلى طبقات أعمق من الأرض حيث تتوفر المياه. كما يؤدي الاجهاد إلى تراكم بعض المواد الضارة على النبات مثل مركبات الأكسجين التفاعلية في الخلايا. وتتعامل النباتات مع هذه المشكلة باستخدام إستراتيجية تعمل على تنشيط التعبير الجيني لمقاومة الإجهاد والحد من أضراره. وللكشف عن آليات تحمل النباتات للجفاف، نقوم حالياً بإجراء الأبحاث في جميع المجالات المذكورة أعلاه تحت منهج «النبات الكلي» التكاملي، وذلك بهدف التعرف على الجينات الرئيسية التي تتحكم في قدرة النبات على امتصاص المياه، وفقدان المياه والتخلص من السموم الخلوية. • ما أهمية بحثكم للمملكة العربية السعودية؟ •• يعد نقص المياه أكبر مشكلة تواجه الزراعة في المملكة العربية السعودية، لذا كان من المهم أن نجد وسائل لتطوير النباتات التي يمكنها استخدام المياه بكفاءة (أي تستهلك كميات أقل من المياه) أو يمكن ريها بالمياه قليلة الملوحة. ويمكننا أن نستفيد من دراسة الآليات الجزيئية والأسس الجينية لجفاف النباتات وتحمل الملوحة بشكل كبير في التهجين والهندسة الحيوية للمحاصيل لنجعلها قادرة على النمو وتحمل الظروف المناخية للمملكة. • ما هي الخطوة التالية في بحثكم؟ •• توصلنا الآن إلى التعرف على عدد من الجينات التكيفية للنبات والخطوة التالية هي دراسة كيفية عمل هذه الجينات في حالة ندرة المياه. ونقوم حاليا بالتأكد مختبرياً من أهمية هذه الجينات، ومن الدور الرئيسي الذي تقوم به خلال عمليات التكيف المختلفة. إنه بحث كبير وواسع النطاق ويحتاج إلى تجهيزات وكفاءات لا تتوفر إلا في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. وسيكون من السهل نسبيا عند تحديد هذه الجينات المهمة ودراسة كيفية عملها، أن نجري عمليات التهجين والهندسة الجينية لزيادة تحمل المحاصيل الزراعية للجفاف. ولكننا الآن بحاجة إلى القيام بالكثير من الأبحاث الأولية على الجينات التي تتحكم في تكيف النبات مع ظروف الجفاف التي قد تستغرق سنوات عدة.