أنهت المدارس موسمها مع مطلع الصيف، وبدأت القرية فصل الحصاد. في قيظ يبوِّل الحمار دماً كما يردد العريفة. تأخرت نتائج معهد المعلمين أسبوعاً عن موعدها، أكد مدير المدرسة أن لجنة الرحمة تعيد النظر في نتائج بعض الطلاب الساقطين. أقسم المؤذن قبل ما يصعد فوق المسيد ليؤذن بصوته الملائكي أنه سمع الرادي يؤكد أنهم بيعلنونها الليلة بعد الأخبار، فاجتمعت القرية رجالاً ونساءً في منزل أبو معيض لمتابعة أسماء الناجحين والاستبشار بمن نجح من شباب القرية. طاف المذيع بالمناطق التعليمية، الدلم، رفحا، سكاكا. والقرويون المجهدون يغالبون النوم، بل البعض رقد في مكانه. كان صوت المذيع يضعف ويقوى بحسب تردد الموجة، وإصبع أبو معيض على محرك المؤشر، وأم معيض موجهة للقبلة وكفاها للسماء. المذيع نشف ريقه مما قرأ من أسماء (أسماء الناجحين في معهد المعلمين بالباحة) شخصت الأبصار وشل الراقف معيض فانتقلت معيضة ابنة عمه إلى جواره لتشد على يده وتقسم له في أذنه أنه سينجح. معيض عايض عوض العايض ناجح جيد جداً. انطلقت الغطاريف وانهالت عليه التبريكات والقبلات فتلبسته (الفريحاء) وأغمي عليه. رشُّوه بالماء فأفاق على قرار عمه تزويجه (معيضة) قبل ما يصله قرار التعيين من وزارة المعارف، طلب مهلة حتى يستلم بدل التعيين، فقال العم «حليلك يا الصخيف يا ولد الضعيف إن كان ظنك باعطيك (سفرة الدُنيا) عشان المهر. أربّني قعدت في حراك أنت وآبوك تدفعون في معيضة فلوس. والله لو تعطوني اللي قدامكم واللي وراكم ما يجي في نسمة من نسماتها في البيت». طلب من ابنه يدعي له (صقران) وأوصاه يشتري ثوراً مخصياً قِرى، ويواعد الطباخ سعيد، ونقاعة الزير، ليوافون يوم الخميس، وجاء بالفقيه ليعقد لابن أخيه على بنته. تداخلت طبول الفرح وعاشت القرية شنة ورنة، ونشد أبو معيض معيض «وش تشوف في المباركة لعمك»؟ فقال «أعطه جنبيتك النافعي». فز الشايب وقال «وأنا بيش أحتزم يا ولد أمه؟»، فقال «يا رجَّال أخوك بيردها عليك لكنها مجملة إن كان تدور جميلة». أتلى الدور كان معيض يتربع غمارة شاحنة أبو علي ليباشر مهام عمله في محافظة تبعد عن قريتهم مسيرة يوم باللوري. للحديث بقية.. علمي وسلامتكم. Al_ARobai@