أول أهداف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) واختصاصاتها ينص على (متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين بما يضمن الالتزام بها)، ولا أنكر بأني فخور بدور «نزاهة»، خصوصاً بعد أن التقيت وشاهدت دور البعض من منسوبيها في التعاطي مع القضايا التي كنت مُشرفاً عليها، وأيضا الرغبة الصادقة والمتابعة الشخصية من قبل الدكتور خالد المحيسن لسير عملية تتبع حالات الفساد بهدف القضاء على أحلام رعاة الفساد أعداء «رؤية 2030»، الذين لا ننكر بأنهم نجحوا في ردع كل من يحاول البلاغ للهيئة من موظفيهم، وإحباط من سبق وبادر ببلاغ للجهات الرقابية، خصوصاً بعد نجاح العديد منهم في عدم التعاطي مع توجيهات «نزاهة»، ورفض توجيهاتها المتمثلة بإعادة أي موظف تم التعرض لحقوقه أو مميزاته المالية أو فصله. وبالعودة للنقطة الأساسية في هذا المقال المتمثلة في الهدف الأول للهيئة المنشور على موقعها الرسمي، يبدو أن نفوذ أشباح الفساد ما زال أكبر من دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مما تسبب في ظهور مشكلة مزمنة منذ صدور الأمر السامي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، القاضي بحماية المبلغين، تمثلت بعدم قدرة «نزاهة» على إجبار بعض القطاعات بتنفيذ أي أوامر صدرت لحماية المبلغين المشمولين بالأمر السامي. وإذا كنا بحاجة لدليل على ما سبق، فالشواهد موجودة ولعلي أتطرق لحالة صدر فيها لأحد المبلغين أمر إعادة للعمل منذ 2018 بعد أن تعرض لفصول انتقام مؤلمة انتهت بالفصل التعسفي عن العمل «دون سبب مشروع» وفق بند 77 الجائر. والحق يقال إن «نزاهة» حتى تاريخ المقالة تسعى جاهدة في إثبات وجودها في حدود صلاحياتها المتواضعة. الآن وبعد وجود من يرفضون التعاطي مع مخاطبات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وأيضا يتحدون أي قرارات تصدر منها بحجة أنها جهة ليست لديها أية صلاحيات تنفيذية، وتقتصر فقط على المخاطبات التي أصبح مصيرها الحفظ بأدراج رعاة الفساد.. دعونا نتساءل: أولا: في ظل عدم قدرة «نزاهة» على حماية المبلغين؛ هل ستحقق في نهاية 2019 زيادة في أعداد المبلغين عن قضايا فساد مقارنة بالأعداد المعلن عنها في 2018؟ طبعا لا. ثانيا: هل ما زال نفوذ أشباح الفساد يتسيد الموقف؟ نعم، وبقوة، والدليل تلك الحالة التي لم تقفل منذ 1/1/2018 بالرغم من اطلاع رئيس الهيئة شخصيا على فصولها المؤلمة ودعمه لها بكل الإمكانيات. ثالثا: اليوم بعد أن أُحرقت أحلام المبلغين من قبل أشباح الفساد، لمصلحة من لم يتم منح الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تفويضا أعلى في الصلاحيات. في نظري أن تلك المعضلة التي أصبحت حديث مواقع التواصل الاجتماعي والمجتمع تعود لأمرين هما: الأول: انتهاء أعمال اللجنة العليا لقضايا الفساد دون الإعلان عن تفويض «نزاهة» بالصلاحيات التي تكفل الحماية للمبلغين من أشباح الفساد. الثاني: عدم اعتراف «نزاهة» أن هناك فجوة كبيرة بين ما تريد تحقيقه وفق أهداف «رؤية 2030» من خلال المعلن على موقعها الرئيسي وبين الواقع المخجل في تعاطي القطاعات مع توجيهاتها الخاصة بحماية المبلغين. ختاما.. أتمنى أن يتم دعم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بشكل سريع من خلال تفويضها بالصلاحيات التي كانت ممنوحة للجنة العليا لقضايا الفساد، حتى لا يعطى أشباح الفساد الفرصة لإسقاط أحلامنا بتحقيق «رؤية 2030».