انكسر ظل الشمس باتجاه الشرق، فطلب (الشيبة خليف) من حفيده يفرش له حنبلا في ركن الحوش، نزع الكوت الأسود وعلّقه في وتد مثبّت بجوار الباب. أسند ظهره إلى خورمة الدياس المركونة في زاوية، ومدد رجليه، طالباً من الحفيد يحضر المقص ويقص أظافر قدميه. صاح فيه «قص أُخْلُص أنت تقص وإلا تنقّش». أطل الفقيه من فوق الجناح، فشاهد جاره، أشار له بكفه، قائلاً: تعال قطّع معي العصرية، فقال: أبشر. خلّني عساني دفعك، أعلف حمارتي، وأروّح الدجاج، حتى لا تصجّني هذي المخلوقة الحنّانة. أخرج مسواك العُتم، وطلب من حفيده يتوقف مردداً «كان كان الله ياهب لك عافية يا عثمان». جلس الفقيه، فنشده: وش قصة النور اللي في غرفتك العالية البارح. أربّك بتعرس فوق مرتك. ردّ: هيّا. قهر في أمه غدا ينكح. يا رجّال جاني «منصور» ولد جارنا القديم جمعان الله واليها، كان يجاود في مكة، وطلبني يسكن فيها بقية رمضان والصيفية. في اليوم التالي طلب منصور من الفقيه «زبيب وخميرة»، فأحضرها له، قال: وش تبغي بها، فأجابه: أسوي لك شراب سوبيا، يخليك تصلي بالناس حتى الفجر وأنت في قمة النشاط، ولا تظمأ ولا تجوع، ثاني يوم «لم يخبر الفقيه أحداً. بعد المغرب تسلل إلى غرفة منصور بطاسة صغيرة. شرب أول واحدة فأعجبته، قال: زدني، فزاده، ومن طاسة في طاسة حتى انتفخ بطنه». نزل من العالية يترنح، وكان يغمض عينيه ويفتحهما بقوة، وزوجته تردد «وشبك يا مخلوق»؟ طلب منها تفتح الشبابيك، وتهف عليه بالمهفة، سألته: ماشي خلاف، فأجاب: أنا بانطق. فتح بنايق الثوب وانسدح مكانه ولم يستيقظ إلا ثاني يوم. استغرب جماعة القرية غياب الفقيه. افتقدوه في صلاة العشاء والتراويح والفجر والظهر، طرقوا عليه الباب، فقام متثاقلاً، رحّب بالرجاجيل، وطلب السموحة، وأخبرهم أن منصور أسقاه شراباً ثقّل رأسه، فقال الشيبة خليف لحفيده خلف: ادع لي منصور. جاء منصور بفنيلة نُص كُم وفوطة، تساءل «من طلبني إيش الهرجة» سأله: وش اسقيت الفقيه ساقك بطنك. أجاب: نقيع زبيب. فقال: هذي المرّة عدّت، لا تتعودها، فقيهنا ينسطل من زبيبة. علمي وسلامتكم.