حين كتبت في رمضان الماضي مقالة (العاصوف +18) لكمية الجراءة المبتذلة التي تعرض دون هدف وقت الذروة مما أحرجني مع ابني، جاءني الرد بأن هذه ليست ندوة توعوية وإنما عمل درامي يعكس مرآة المجتمع ويجسد الواقع بكل سلبياته، لكنني حين عدت هذا العام لمشاهدته بعد الأصداء الجميلة عنه، وجدت أمامي عملاً آخر، عملاً قد تغرورق عيناك بالدموع فيه بفعل بر خالد بوالدته هيلة التي لا يرفض لها طلباً، عملاً تتسارع معه خفقات قلبك وأنت تلمس حميمية أفراد العائلة وقت الشدة مهما بلغت خلافاتهم، عملاً يصور كرم وشهامة المجتمع بفترة الطفرة العقارية حين كان يفزع كبار التجار مع صغار المستثمرين ليفتتحوا دكاكينهم. لا أخفيكم سراً، بأنني من قوة الأداء التراجيدي الذي تقمصته النجمة ريم عبدالله (جهير) أصبحت أشعرر بالخوف مع (خالد) حين أراه يصعد الدرج الذي يتوسط الفيلا باتجاه الغرفة، لأتذرع له بالدعاء الصادق (اللهم ثبته عند السؤال)! لقد ذكرني الأداء المبهر لنجوم هذا المسلسل بفيلم (الأرض) الذي شكل انطلاقة قوية للعديد من نجوم الفن المصري للبطولات المطلقة، ويظل ناصر القصبي الممثل الفريد الذي تعجز عن وصف قدرته العجيبة في المزج بين التراجيديا والكوميديا بمشهد واحد، فيما يبهرنا (أبو سعد) بجودة تقمص الشخصية لدرجة أن حواراته لا يقولها بلسانه وإنما يرسمها حروفاً على ملامحه، أما النجمة ليلى السلمان فأداؤها لدور الأم بالنسبة لي يفوق بكثير أداء أمينة رزق وكريمة مختار، أما الحلقة الأضعف بالعمل فهو (حمود) ولد خالة (خالد) الذي لم يوفق في أدائه، حيث تظل عينه شاخصة طوال الحلقة على اختلاف الأحداث والمشاهد (وكأن فيه مسا)! الأداء الخرافي لمحسن، خفف من سقطات العمل البدائية، فمنطوق الحكم الذي أعلن فيه القاضي بأن محسن ليس له شيء بالوكالة جاء مرسلاً وغير دقيق وكان بإمكانه إبداء عدم القناعة وكسب الاستئناف، عطفاً على أن مسمى (المحامي) لم يكن دارجاً بتلك الحقبة، حيث كان يطلق عيله (الوكيل) أو (الدعوجي)، وكانت التراخيص تأتي من المحكمة العامة ووزارة التجارة، فضلاً عن الصورة المشوهة التي يعمد العمل لترسيخها بالأذهان عن (المحامي) حين يظهره مندفعاً وغبياً بخسارته لكل المواقف والمشاريع، وفي اعتقادي أن شخصية (خالد) هي الأكثر ملاءمة لطبيعة المحامي لما فيها من دهاء، ونبل، وقبل ذلك إنسانية تجاه قضايا المظلومين! التقويم المفاجئ للعمل يوحي بأن المتابعة الدرامية قد وقفت على ملاحظاتنا نحن الكتاب فعمدت لتهدئة ريح العاصوف الشديدة ليظهر لنا بجزئه الثاني رائعاً وأكثر واقعية (رغم السقطات)، وهو يبرز الملامح المضيئة للمجتمع قبل أن يسلط الضوء على جوانبه المعتمة، وإذا كان هناك من تعديل ومفاجأة أخرى ننتظرها فهي ظهور النجم الكبير عبدالله السدحان بدور المنافس الذي يحارب نجاح (خالد)، وهو ما سيشكل نقلة كبيرة للمسلسل الجماهيري حين يلتقي من جديد قطبا الفن السعودي بأقوى عمل تراجيدي. [email protected] تويتر @ajib2013