دعا الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى للتواصل الحضاري بين الأمم والشعوب بمختلف تنوعها، لتعزيز التقارب والتفاهم والتبادل لإزالة الحواجز السلبية والمفاهيم الخاطئة التي تجد بيئتها المناسبة في عدم الحوار أو عدم جديته أو عدم الأخذ بأسباب نجاحه، مؤكدًا كثرة المشتركات الإنسانية، وأن الحضارات تعتمد في بقائها حية قوية على القيم والعدالة والاستشراف الصحيح مع كفاءة الإدارة ومهارة التواصل واحترام مبادئ القانون المشترك وهو القانون الطبيعي. وأشار خلال محاضرة له في جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية، بحضور مدير الجامعة البروفيسور نيقولا كروباتشيف وأعضاء هيئة التدريس ورئيس قسم الدراسات الشرقية وعدد من الأكاديميين والباحثين والطلاب، إلى أن اعتماد العدالة والقيم والانفتاح الإيجابي مع مهارة الاستشراف والتواصل من أسس القيادة نحو الريادة الحضارية، كما عد بناء الشخصية الوطنية برؤية مستنيرة ركيزة أساسية في الريادة والحسم لكثير من إشكالات الأمم والدول، وأن القيم الروحية كثيرا ما يكون تطبيقها شكلياً ومن الطبيعي أن يفتقد عندئذ الأثر السلوكي الملموس. وأوضح العيسى أن الحضارات تتآكل مع الزمن متى انساقت مع النفعية على حساب القيم ومتى تحدت مبادئ القانون الإنساني المشترك، وأن السيادة أو الهيمنة الإعلامية والفنية إذا لم تتصف بالقيم فإنها تعمل على تزوير الحقائق وغسل الأدمغة. وأبان أمين الرابطة أن القوة الحقيقية لم تعد اليوم تعتمد على القوة الصلبة فقط ولكن القوة الناعمة التي تمثل عنصر الحسم في غالب الأحيان وتحدث عن الحضارة المنفتحة والحضارة المنغلقة، مسهباً في أوصاف الحضارة المرنة والجامدة. واستعرض العديد من الأمثلة على ذلك ومنها النموذج الروسي الذي وصل انفتاحه إلى اعتبار دور العبادة جزءاً من الإرث الحضاري الوطني ومن ثم دعمها حكومياً، في حين تغرق بعض الأنظمة العلمانية في الفصل بين الروح والمادة وعدم تقدير الجانب الديني بل رفضه من دائرة الوجود الرسمي، بل يصل الأمر إلى الاعتراف ببعض الأديان دون بعض، وهذه الازدواجية لا تخدم الوئام الوطني، وتعقد خطط الاندماج، ولذلك نجد أداء بعض وزارات الاندماج شكلي أو غير فعال. وتطرقت المحاضرة إلى المكون الديني والقومي ومشاركته الحضارية، وقال العيسى في هذا الصدد: «إن الاندماج الوطني الإيجابي يسهم في قوة الحضارة بشرط إنصاف كافة المكونات، بما في ذلك الأقليات واعتبارها جزءاً من الثقافة الوطنية مهما كان دينها وإثنيتها». كما استعرض العيسى قيم التسامح في الإسلام والفرق بين التفهم والقناعة وبين خصائص الحضارة الإسلامية التي تفهمت الاختلاف والتنوع الكوني واعتبرت أن منه ما يعتبر ثراء وغنى، كما أوضح في حديث مع منسوبي كلية الاستشراق مفهوم الوحدة في التنوع والمفهوم القانوني وفي الشريعة الإسلامية المتعلق بالعمل على تحقيق هدف النص المرونة في ذلك دون انحراف في التأويل أو خروج عن ظاهر النص وهو المسمى بالانجليزية Legal objectives ، Shareeah objectives. وبعد نهاية المحاضرة، بدأ الحوار المفتوح بين الأمين العام والحضور، حيث أجاب العيسى على أسئلة تتعلق بالتواصل الحضاري، كما صححَ بعض المفاهيم عن الإسلام ومن ذلك الدعوة بأن يوحد المسلمون رأيهم السياسي وموقفهم من الآخر ونظرة الإسلام للثقافة الغربية. يذكر أن جامعة سانت بطرسبرغ هي الأقدم في روسيا حيث تأسست مطلع القرن ال18 على يد القيصر بطرس الأكبر، وتضم اليوم 7 ملايين مجلّدٍ مرجعي ويعمل فيها أكثر من 6 آلاف أستاذ، يُعلّمون أكثر من 30 ألف طالبٍ، يتوزّعون على 24 كليةً و3 مراكز للبحوث ذات ريادة عالمية. وبصفة استثنائية يُعيّن رئيس الدولة مديرَ الجامعة التي تتبع لرئيس الوزراء مباشرةً وليس لوزارة التعليم. وقد تخرج من الجامعة كبار القادة والساسة في تاريخ روسيا الحديث، من بينهم الزعيم الروسي فلاديمير لينين، ورئيس الجمهورية الحالي فلاديمير بوتين، وعددٌ كبير من المشرّعين والحائزين على جائزة نوبل.