لا أحد منا ينكر فضل التكنولوجيا وكيف أنها سهلت علينا أعباء الحياة في كثير من المجالات، بل إنها أصبحت جزءاً رئيسياً من حياتنا، ولولا وجودها لتعطلنا وتأخرنا في هذا العصر، فهي اليد المعاونة والمساعدة لنا، فقط بضغطة زر تؤدي عنا كل المهام والأعمال التي نقوم بها. وبفضلها أصبحنا نستطيع أن نبحث ونستكشف ونصل لكل المعلومات التي نرغب بها بلمح البصر. ولكنها بالرغم من هذه المميزات والتسهيلات التي تقدمها لنا قضت على أجمل مهاراتنا في الحياة وجمدت عقولنا، وأصابت ذاكراتنا بالضمور، فأصبحت لا تتسع إلا للمساحات البسيطة التي تتكيف مع أوامرها، وأصبحنا نستغني عن ذاكرتنا شيئاً فشيئاً دون أن نشعر، ونعتمد على ذاكرة هذه الأجهزة الإلكترونية التي تقف طواعية لنا، وتنتظر منا فقط أن نرسل أوامرنا لها، لتقوم هي بكل المهام بدلاً منا، فتحفظ وتسجل كل بياناتنا.. ذاكرة لا يصيبها الخمول ولا تكسل فهي دائماً على أتم الاستعداد لمساعدتنا في أي زمان وأي مكان. ولم تكتفِ هذه التكنولوجيا بذاكرتنا التي قضت عليها، بل إنها بدأت تقتات على صبرنا وقوة احتمالنا، فكرمها وسرعة استجابتها لأوامرنا، قلص قدرتنا على الاحتمال إلى ثوانٍ ودقائق، وعندما تزيد المدة عن ذلك يتسلل الملل والضجر إلينا، ولذلك أصبحت خاصية «التخطي»، ملازمة لنا بوعي منا أو دون وعي، ولم يعد لدينا قدرة على المتابعة أو الانتظار، فهذه التقنية قضت على أجمل خصالنا الإنسانية وأصبحنا أسرى لها. فماذا لو قررنا أن نقنن من استخدامنا لها بحيث لا نستخدمها إلا لأداء الأعمال والمهام الضرورية لنا؟ وماذا لو حددنا أوقات استخدام برامجها إلى ساعات معينة في اليوم بدلاً من هدر أوقاتنا واستنزافها عليها؟ أعتقد أننا حينها سنستعيد مع مرور الوقت جزءاً من لياقتنا في الحياة وجزءاً من مهاراتنا الحياتية التي قضت عليها هذه الأجهزة وسنتشافى من كل آثارها.