هل بدأت تركيا فعليا تتلمس خطى إيران لتصدير الإسلام السياسي الإخواني للمنطقة العربية ؟ هذا السؤال يعد من الأسئلة الأكثر إلحاحا في هذا الوقت من تاريخ المنطقة، فالإنفاق التركي القطري السخي على رموز وقيادات الإخوان بات اليوم أكثر مما مضى، وتحت رعاية رسمية من الحكومة التركية التي مكنتهم من عقد المؤتمرات والندوات التي غالبا ما يشرف عليها «حزب العدالة والتنمية»، وتتولى قناة الجزيرة - الذراع الإعلامية لتنظيم «الإخوان والحمدين»- بثها للعالم العربي والإسلامي. واقعيا تمثل تركيا اليوم أكبر تجمع للعشرات من قيادات تنظيم الإخوان الفارين من العدالة حول العالم، بالتساوي مع قطر التي وصفها محللون أنها بمثابة «البقرة الحلوب» لتمويل مشاريع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم، خصوصا تلك المشاريع المتمثلة في دعم الإخوان، واحتضانهم وتوفير البيئة المناسبة لهم ليتمكنوا من عقد اجتماعاتهم وندواتهم التي تحفل بها العاصمة التركية أنقرة على مدار العام. طموحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتوجهاته الفكرية لم تكن خافية، فهو في كل مناسبة يؤكد أهمية الإخوان كمشروع سياسي يعول عليه في المنطقة، فأردوغان نفسه يرى «أن أفكار مؤسس الإخوان سيد قطب تمثل تراثا إنسانيا مُلهما ينبغى أن تتبناه الدولة التركية». ففي عام 2016، احتفت تركيا رسميا بمؤسس جماعة الإخوان الإرهابية سيد قطب، الذي يرى أن النظام العالمي كله نظام كافر يستحق التدمير، ويؤمن بأن المسلمين جميعا يجب عليهم الخروج بالسلاح فى حرب جهادية ضد الجميع تشمل العالم أجمع وإلا كانوا من الكافرين. هذه الأدبيات المتطرفة في خطاب سيد قطب والإخوان بشكل عام، يراها مستشار الرئيس التركي ياسين آقطاي أنها ليست ملكاً للإخوان وحدهم، بل هي «ميراث عالمي يجب الاستفادة منه»، معتبرا أن فكر سيد قطب المتطرف وأدبياته حول الحاكمية والجاهلية هي إلهامات ربانية وتراث إنساني أسهم فى صناعة مشاريع سياسية عدة، من بينها المشروع السياسي المعاصر في تركيا. وفي ظل النشاط السياسي لقيادات جماعة الإخوان في تركيا، يرى محللون أن تمكين أنقرة لتنظيم الإخوان، يعتبر إصرارا من حزب العدالة والتنمية الذي يحكم البلاد منذ 2002، على عدم الاكتراث بالأمن العربي وعزمه استخدام هذه الجماعة، التي تدرس دول غربية عدة إدراجها على القوائم السوداء، وهو ما يراه المحللون أنه يهدف للتوسع وتحقيق حلم القيادة التركية بإعادة الزمن إلى الوراء لنحو 100 عام. الطموحات السياسية التركية لتوظيف الإسلام الإخواني في المنطقة لم تكن جديدة، بل هي رغبة قديمة عبر عنها مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ياسين أقطاي، الذي أكد علنا أن إسقاط الخلافة تسبب في فراغ سياسي في المنطقة، وقد سعى تنظيم الإخوان لأن يكون ممثلا سياسيا في العالم نيابة عن الأمة، مضيفا:«البعض منا يستخف بقوة الإخوان ويقول إنهم عبارة عن جماعة صغيرة، لكن جميع الحركات الإسلامية اليوم ولدت من رحم جماعة الإخوان». وقال آقطاي العام الماضي في لقاء تلفزيوني، إن لجماعة الإخوان «فروعها الخاصة وفقهها الخاص، وهي تمثل اليوم ذراعاً للقوة الناعمة لتركيا في العالم العربي، فهذه الجماعة ترحب بالدور التركي في المنطقة. وهم بالتالي ينظرون إلى الدور التركي على أنه النائب للخلافة الإسلامية التي تم إسقاطها سابقا». ويرى مراقبون أنه لتحقيق هذه الأجندة، وجدت تركيا في قطر والإخوان حليفا وثيقا، لاسيما أن قطر استلهمت فكر الإخوان منذ وقت مبكر، وكانت أول من وفر لهم ملجأ آمنا بعد أن فروا من العدالة في دول عدة، لاسيما يوسف القرضاوي الذي تم تصنيفه إرهابيا من قبل الدول الأربع المقاطعة لقطر، غير أن الأخيرة منحته الجنسية القطرية ونصبته مفتيا عاما للدولة وشرعت له منصاتها الإعلامية لنشر الفكر الإخواني. في حين أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الذي يتزعمه الرئيس التركي أردوغان ليس ببعيد عن مبادئ تنظيم الإخوان، لذلك وجدت السلطات التركية فرصة لتحقيق رغبتها الثورية التوسعية، فالرئيس التركي يحتاج إلى «الإخوان» للتجييش الداخلي في الخطابات الشعبوية والاستمرار بالقبض على مقاليد الحكم، وفي نفس الوقت لاستخدامهم في مشروعه الخارجي. وتعليقا على ذلك، يرى نقيب الصحفيين المصريين السابق والأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب، مكرم أحمد في مقال نشرته صحيفة الأهرام المصرية أمس (الإثنين) أنه إذا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتبر «أن فكر سيد قطب التكفيري تراث إنساني ملهم، فما الذي يمكن أن ينتظره العالم الإسلامي من دعاوى الإفك التركية سوى الخراب والقتل والتدمير وتشجيع التطرف والإرهاب» ؟!