لم تكن نتائج ال15 شهرا الماضية التي تلت الأمر الملكي بتشكيل اللجنة العُليا لقضايا الفساد العام برئاسة ولي العهد، مقتصرة على استعادة 400 مليار ريال سُلبت دون وجه حق من خزينة الدولة، بل كانت تلك الأيام تفحيصا وتمحيصا بعدالة ونزاهة لمن وقع في المحظور ومد يديه على المال العام مستغلا وظيفته أو قرابته أو حتى علاقاته. ولأن العدالة في السعودية معيارها دين وميزان، كان المقصد في مكافحة الفساد تثبيت ركائز العفة والتحريم، وتجسيد أركان الحفاظ على قيم النزاهة ومعايير الضمير واليد الناصعة البياض. وإذا كان الدين الحنيف، يؤصل لقيم عدم السرقة، ويجعل لها قصاصا، فإن السعودية التي لطالما عرفت منذ نشأتها وميلادها، بأنها لا ترهن دينها لمقتضيات عصر، ولا لمعطيات واقع، ولا لتداعيات محاور، تتمسك بركائز الدين التي تجعل المال العام حرمة لا يجب التطاول عليها من كائن من كان، ولا يجب المساس بها بأي شكل من الأشكال، ولا يجب الاقتراب منها لأنها من المحظورات. ولعل الثمار التي خلصت لها اللجنة العليا تتجاوز حدود ما تمت استعادته من أموال وأصول عقارات وشركات، إلى أبعد من ذلك، فتمتد إلى أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ليأتي البيان بالعمل، من خلال من أفرج عنهم ونالوا صك البراءة من الاتهامات أو حتى الشبهات، ومن خلال من ترك لهم الخيار في أن يعيدوا ما استولت عليه أياديهم، بعد إقرار بالذنب، فمنهم من أقر ووافق، ومنهم من أبى، رغم إثبات التهم عليهم، ليكون الفيصل هو القضاء العادل، ليقول كلمته بنص حكم لا يقبل بعده الجدال ويقر العدالة. وإذا كانت ال15 شهرا، التي مرت على عمل اللجنة ساهمت في ترسيخ مبدأ المحاسبة لصون المال العام، فإنها أيضا مكنت الأجهزة الرقابية لتؤكد أنه لا أحد فوق المحاسبة، ولا أحد يستطيع أن يفر من العدالة، في أجواء تحقق الشفافية، فخرجت بيانات متعددة على فترات متباينة، لتشرح وتوضح تفاصيل كل ما يدور من تحقيقات، بما لا يخل بمعيار «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، وبما يجعل الحزم أساس العدالة. فيما عكست نتائج اللجنة قدرتها على حماية التنمية والبيئة الاستثمارية، لتبقى السعودية وطنا يفرد جناحيه لمستقبل زاهر لأبنائه، وتزدهر فيه الاستثمارات وتتحقق فيه غايات المستقبل، ليسير النزيه بخطوات ثابتة، وتتخبط أقدام كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام، أو التعدي عليه أو استباحه حرمته، ليفكر ألف مرة قبل أن يساوره الشيطان بارتكاب المحرمات.