أثناء زيارة سابقة لبلد كبير من شرق آسيا قلت لسائق الأجرة خذني إلى أكبر مكتبة في العاصمة فأخذني إليها وكانت مبنى مستقلاً مؤلفاً من عدة طوابق، في كل طابق ما لا أستطيع إحصاءه من الكتب، وكانت كلها باللغة الإنجليزية ولغات أخرى أجهلها بما فيها لغة ذلك البلد. أدركت ورطتي المعرفية، وأنني لست أكثر من زائر متلفع بقشرة من السياحة الترفيهية التي لا تقدم ولا تؤخر في مثل هذا الموقف. سألت القيم عن إمكان أن أجد كتباً باللغة العربية فأجابني بالنفي، قالها وكأنه يقصد نوعاً غير مستخدم من أربطة الأحذية الرياضية لفرط انصرافه عني ونفوره من سؤالي. لم يغظني تصرفه أبداً، لقد فعلت المكتبة أشد من ذلك معي، أحالتني إلى مجرد زائر لا لزوم له على الإطلاق، وقد يحيلني بقائي داخلها وقتاً أطول إلى شخص مثير للتساؤلات وربما التندر. خرجت بهدوء رجل يعلم يقيناً أنه سيخسر معركة غير متكافئة لو فكر في البحث عن استحقاق مزعوم. رجعت إلى الفندق وفي البهو طلبت قهوة سوداء وماءً بارداً وقلت لنفسي أما القهوة ففيها مرارة المحاولة وأما الماء البارد فللمواساة يا صديقي. خاطبت نفسي ب«يا صديقي»، وناولته القهوة فشربها، ثم ناولته كأس الماء البارد فشربه ثم قال لي وهو يتلفت في أشياء البهو «اصعد إلى الغرفة سأبقى هنا لبعض الوقت».