وزارة الخارجية السعودية قصة لم تكتب بعد، فهي من حملت السعودية للعالم وروت قصصها ودافعت عنها ورسخت وجودها وتفاوضت نيابة عنها وبنت المصالح مع الدول والسياسيين، وكانت طوال تاريخها مثالاً للوزارات الأكثر كفاءة، وهي كما الكثير من المؤسسات السعودية بعد هذا التاريخ الطويل في حاجة لغربلة وإعادة هيكلة كما وعدت الرؤية وبرنامج التطوير الحكومي الذي اعتمدته القيادة السعودية. الخارجية السعودية بدأت مبكراً مع إنشاء الملك عبدالعزيز رحمه الله العام 1926 المديرية العامة للشؤون الخارجية بمكة المكرمة، وكان يديرها عبدالله سعيد الدملوجي، وفي ديسمبر 1930 صدر الأمر الملكي بإنشاء وزارة للخارجية، ونص الأمر على تعيين الأمير فيصل بن عبدالعزيز نائب الملك عبدالعزيز في الحجاز وزيراً لها. في العام 22 ديسمبر 1960، عيَّن إبراهيم بن عبدالله السويل الذي استمر في المنصب حتى 16 مارس 1962، ليتولى الملك فيصل وزارة الخارجية مرةً أخرى ويستمر بها بعد توليه الحكم سنة 1964 حتى وفاته سنة 1975م، وبعد تولي الملك خالد الحكم تم تعيين الأمير سعود الفيصل وزير دولة للشؤون الخارجية، ثم عُيَّن بعد ذلك وزيراً للخارجية واستمر الأمير سعود في منصبه حتى أصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز قراره في 2015م بإعفائه من منصبه بناءً على طلبه وذلك لظروفه الصحية وتم تعيين عادل الجبير وزيراً للخارجية حتى ديسمبر 2018 ليعين بعده الدكتور إبراهيم العساف الخبير المالي والاقتصادي الأبرز في المملكة. لكن ما قصة الخارجية مع النفط والمال والاقتصاد؟ في الحقيقة أنه أمر لافت جداً لكنه دليل على تداخل المال والسياسة، فهما يجتمعان ولا يفترقان، بل إن المال هو من يُفرق ويغضب ويقيم الحروب سرّاً وعلانية، والسياسة هي من يرمم ويُصلح ويجمع. منذ إنشاء وزارة النفط في السعودية ومن رحمها تخرج أهم السياسات التي تؤثر على العالم وأهم أبنائها الأمير سعود الفيصل، حتى جاء إبراهيم العساف ليتولى سدة الدبلوماسية السعودية، فهو وإن لم يكن جاء من حقيبة النفط فقد جاء من أروقة المال التي ينتجها البترول. أول من تولى حقيبة الخارجية قادماً من وزارة البترول هو الأمير سعود الفيصل رحمه الله الذي تخرج من جامعة برنستون سنة 1964، وعلى إثر حصوله على بكالوريوس في الاقتصاد التحق بوزارة البترول والثروة المعدنية وعمل مستشاراً اقتصادياً لها وعضواً في لجنة التنسيق العليا بالوزارة، ثم انتقل بعدها إلى المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين) وأصبح مسؤولاً عن مكتب العلاقات البترولية الذي يشرف على تنسيق العلاقة بين الوزارة وبترومين، ولاحقاً تم تعيينه نائباً لمحافظ بترومين لشؤون التخطيط، وفي سنة 1971 عين وكيلاً لوزارة البترول والثروة المعدنية. وطوال أربعين سنة أو تزيد كان النفط هو ذراع السعودية الخارجي، لكن ومع تقدم السعودية كدولة ذات قدرات مالية ضخمة وسمعة اقتصادية مهمة تعززت إبان الانهيار الاقتصادي العظيم الذي اجتاح الدول الغربية العام 2008 وما تلاها، وصمود الرياض أمام تلك الانهيارات بل ودعم الرياض للاقتصاد العالمي بسبب سياساتها المالية المحافظة التي ضمنت لها استقراراً كبيراً، دفع بالسعودية لتكون واحدة من أعضاء نادي الدول العشرين الأقوى اقتصاداً في العالم. إبراهيم العساف خريج المؤسسات المالية الدولية الذي عمل في وقت مبكر من حياته العملية بمنصب المدير التنفيذي المناوب للمملكة العربية السعودية في صندوق النقد الدولي «1986-1989»، ثم المدير التنفيذي في مجالس إدارة مجموعة البنك الدولي للمملكة العربية السعودية «1989-1995»، إلى أن تولى وظيفة عميد مجلس إدارة مجموعة البنك الدولي، وهو منصب دولي رفيع. اختيار العساف لهذا المنصب تأكيد على أن الاهتمام بالعلاقات الخارجية السعودية هو في ذروته لكن مع ربط ذلك بالرؤية المالية والاقتصادية ومشروع النهضة السعودية الذي تسعى الرياض لتحقيقه، وهو مشروع طموح يحتاج إلى عقل دبلوماسي ذي خلفية مالية قادر على إقناع العالم به وشرح أهدافه التي وضع إطارها ولي العهد السعودي عندما قال إن المملكة تريد أن تخرج المنطقة من الصراعات والحروب إلى تنمية شاملة وأن تصنع أوروبا جديدة في الشرق الأوسط. إن خبيراً دولياً كالعساف سيكون قادراً على ربط السعودية الجديدة بالدبلوماسية الدولية وإحداث التوازن بين المصالح والعلاقات، كما أنه سيكون مهموماً بإعادة ترتيب بيت الخارجية من الداخل وأذرعها في الخارج من سفارات وقنصليات وممثليات، كما أن الوزارة في حاجة ملحة لتغييرات في بنيتها الوظيفية ونظرة فاحصة على بعض السفراء والقناصل وأدائهم التقليدي، فهم في غياب تام عن الأجواء السعودية ونقلها والتفاعل معها بل وخلق القوة الناعمة التي تساعد الرياض على تصحيح ما يثار حولها من أكاذيب وشائعات. * كاتب سعودي massaaed@ [email protected]