الجودة ثقافة قبل أن تكون سياسات وإجراءات متبعة، والجودة في أبسط تعريفاتها هي الإتقان، وديننا الحنيف سباق إلى هذا المفهوم والمعنى، فرسولنا الكريم قال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه». ومصطلح الجودة لم يعد للاستهلاك الإعلامي أو الحضور من خلال مفاهيمه المتعددة والمتغيرة تبعاً لطبيعة الأعمال التي تؤدى وتنجز، بل تعدى ذلك ليصبح ضرورة من ضرورات الإنجاز والتغير تبعاً لمتغيرات العصر ومفاهيمه. في مرفقنا شحذ القائمون على الجودة وشمروا عن سواعدهم ووسائلهم التنظيمية للتذكير بالجودة لغة واصطلاحاً، كان عراب هذا الكرنفال السنوي بصوته السوبراني على المسرح، لزمة سنوية تحضر مع الجودة والعاملين عليها والمؤلفة مفاهيمهم. مصطلحات الجودة وثقافات العاملين عليها تذكرك بالنخب الثقافية في العالم العربي، فهي ممتلئة من الداخل بجميل الكلام الموزون المقفى، ولكن هناك حالة من العزلة يعيشها أرباب هذا المفهوم عن بقية جوقة العاملين في القطاعات الخدمية، والسبب يعود إلى أمور عدة منها:- 1- عدم تسليع مفهوم الجودة بمعنى جعله مشاعاً للجميع من خلال وسائل الترغيب ولطف التدبير. 2- الجودة مازالت تمثل شهادة اعتماد، متى حال عليها الحول وزيادة، يتم إخراج زكاتها عملاً وتوثيقاً. 3- (Not documented not done) من أخطر القواعد في لعبة الجودة، فترجمتها «ما لا يوثق لا يُعمل». ولأننا عرب نغير المفاهيم ونعيد تدويرها وإصدارها لتتماهى مع كسلنا وأكلنا وتواكلنا، وهو ما جعل الجودة في كثير من المؤسسات مجرد سياسات وإجراءات مكتوبة، تخزن في خزائن فارهة يمر عليها الزمن وهي مجرد أوراق تشتكي التجاهل والنسيان. إن شهادات الاعتماد من المجالس المختصة والتي تمنح للمؤسسات بعد تطبيقها معايير الجودة تعد عاملاً من عوامل انحراف مناشط الجودة وأهدافها ومقتضياتها عن مساراتها الطبيعية والمفترضة، فعندما يحين موعد التقييم النهائي لهذه المؤسسات، يهب العاملون وحداناً وزرافات لتحقيق معايير تلك الجودة وتوثيقها في الملفات، وتعبئة العاملين وحشدهم ومطالبتهم بتخطي هذه الأيام العصيبة والتي سيعقبها فرمان الاعتماد ممهوراً بختم صادر من مؤسسات الاعتماد، تعلن فيه وتزف، نبأ تجاوز ذلك المرفق شروط الحصول على تلك الشهادة. وماذا بعد؟ حفل كرنفالي مهيب وخطب رنانة وشهادات توزع على العاملين الذين دفعوا بهذا المرفق لينال شرف الاعتماد، بعدها يبدأ بيات معرفي وتسحر عملي، وتصبح اللوحات (والدوسيهات) هي الأثر الذي بقي للجودة بعد عين أكرمت لأجلها بعض العيون. الحل يكمن في إلغاء أساليب التقييم الحولية واستبدالها برقابة مباشرة ويومية من المرجعيات سواء كانت وزارات أو شركات تفعل فيها الجودة وتجود من خلال متابعة مؤشراتها المعروفة وأولها العميل ومستوى رضاه.