لوحظ في الفترة الأخيرة حجم استهداف بلادنا من منصات فتن تقف خلفها طوابير الكارهين بأقنعتهم وسمومهم، لا شغل لهم سوى استهداف بلادنا بالعداء والتشويه ومحاولة النيل من التماسك الوطني ومكتسبات الوطن، ومع ذلك تمضي مسيرة بلادنا ولله الحمد بالمزيد من التقدم، لكننا اكتشفنا مدى حاجتنا إلى أن يصل صوتنا الإعلامي إلى العالم بلغاته، وفيه من ينصت ويفكر ويقتنع إذا ما أدرك الحقائق، أما غير هؤلاء ممن لا يُرجى منهم واقتناعا وتبصرا للحقيقة، فلهم شأنهم مع توجهاتهم وجماعاتهم وتياراتهم التي هي إلى العداوة أقرب. في عصر العولمة الإلكترونية حيث طغيان وسائل التواصل الحديثة، لم تعد اللغة ولا المسافات، كما لم تعد الوسائل الإعلامية المحلية هي آخر حدود التواصل والمعرفة، والذين يتربصون ببلادنا يدركون جيدا أن الشائعة باتت أسرع من الصوت مهما بعدت المسافات بين أرجاء الكرة الأرضية، ولهذا تزداد خطورة الوجه السلبي للعالم الإلكتروني الذي بات سلاحا فعالا يستغله المرجفون بالأكاذيب ودس السم في العسل. وسط هذا الطوفان هناك من يتفاعل مع معلومات كاذبة وإساءات يطلقها الكارهون لبلادنا بأسلوب خادع فضحه شبابنا، لكنه قد ينطلي على البسطاء ومن ليس لديه الوعي الكافي ولا القدرة على الفرز في هذا العالم الإلكتروني. والخطورة تكمن في أن هذا التطور الساحر، ليس مجرد فقط شاشة وتطبيق عبر جهاز في اليد أو حاسوب، إنما مصدر معلومات تدفق إلى العقول صغيرها وكبيرها، وتسري عبره حملات مشحونة بالتشويه والقدح والتشكيك والفتن الكريهة، يدفع بها مرضى مصالح وأيدلوجيات، أدمنوا الأحقاد ولا يشعرون براحة إلا بمزيد من إدمان بث الفتنة والكراهية. بالتأكيد نحن بحاجة إلى أن يصل صوتنا الإعلامي الفضائي والإلكتروني إلى العالم دون وسيط إعلامي يترجم أو ينقل عنا وعن بلادنا ما يروق له تمريره وما لا يريد، وقد ينقل الحقيقة وقد يزيفها بما يشاء، وهناك من ينقل بميديا الصوت والصورة مشهد فيديو لحادث قد يقع في سوق أو مدرسة أو مستشفى أو طريق، ويتكرر مثله في كل بلاد العالم يوميا، لكن هؤلاء يستغلون ذلك بكل الحيل والأساليب لتشويه صورة بلادنا، بل أكثر من ذلك فبركات مسيئة يجيدون تركيباتها وصناعتها وبثها إلكترونيا، وهناك من يصدق مايراه ولا تهمه الحقيقة. نعم تحديات العصر الإلكتروني ليست مجرد موجة ولا هوجة وتنتهي، إنما واقع يرتبط به مليارات البشر ونحن منهم، ويزداد طغيانه وتأثيره حاضرا ومستقبلا، بعكس الماضي الذي كان فيه من يقرأ صحيفته المفضلة أو يشاهد ما يروق له على شاشة التلفزيون، وكان الارتباط قويا بالقيم المجتمعية لأن تلك الأجيال لم تتعرض لما تتعرض له المجتمعات اليوم من تشويه للقيم والأخلاق وصولا إلى الفكر الضال، وأولئك يعيشون بطبائع الثعالب والذئاب والأفاعي وأصوات البوم والغربان. المؤكد أننا نحتاج إلى إعادة صياغة الوعي وفق التحديات المعاصرة للفرد والمجتمع وهي مسؤولية مشتركة لتعزيز جهود الأجهزة المعنية الساهرة على الأمن السيبراني، والبداية دائما من الأسرة الحصن التربوي الأول، وكذا الخطاب الدعوي الذي وإن أصبح أكثر اعتدالا، لكن عليه أن يكثف حضوره في التحصين، وبالطبع التعليم الذي يسعى لدخوله عصر الرقمية بأن يعزز هذا الوعي حتى لا يصبح ميزان التأثير لصالح الجوالات التي في أيدي أبنائنا وبناتنا بقية ساعات النهار والليل. * كاتب سعودي