كان الصالحون من الناس يغبطون صاحب الدين والتقوى، ويتمنى الواحد منهم أن يكون في التقى مثلهم عملاً بقول ونصيحة الشاعر: فتشبهوا إن لم تكونوا منهمُ إن التشبه بالكرام فلاح وقد فهموا الإسلام حق الفهم ووقفوا خاضعين خاشعين مؤمنين عاملين أمام قوله عز من قائل «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».. هكذا أدّب الدين الحنيف أتباعه فكانوا سادة الدنيا خلقاً وأدباً وحضارة ونماءً وإشراقاً، فتبعهم من أجل ذلك خلق كثر حتى عم الإسلام الأرض وعلى وجه التحديد معظم القارات القديمة قبل اكتشاف الأمريكتين. ولكن دوام الحال من المحال، فقد خلف أولئك الصالحين خَلْفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وتكالبوا على الدنيا ومباهجها، وأمسوا يفاخرون بالأموال والأنساب والوظائف والمكانة الاجتماعية، ولم تعد الأخلاق والتقوى والعلم هي المقياس الذي يوزن به الناس، وتصدّر الجهلة المجالس، وارتفع صوت السفهاء، وعلت مشاعر المفاخرة بالأنساب، وأدى ذلك إلى التنابز بالألقاب والشعور بالاستعلاء وتحقير الآخرين، ولم تعد التقوى هي المرجع الذي يقاس به الإنسان ويحترم، ولعل ذلك ما دعا شاعرا عاش في زمن مشابه لزمننا هذا إلى نظم بيتين أصبح يستشهد بهما عندما تعلو نبرة المفاخرة بالأنساب ويجعلهما المفاخرون المقياس الذي تسقط أمامه جميع المقاييس الأخرى حيث قال الشاعر: لعَمْرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب فقد رفع الإسلام سلمان فارساً وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب ولكن الفخر بالأنساب لم يزل قائماً على قدم وساق، وقد يستمر الأمر على ما هو عليه حتى يكون: «إلى ربك يومئذ المساق!» * كاتب سعودي