منظومة كبيرة من المتغيرات التي تمر بها المملكة بدءاً بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ولا شك أن التعليم هو أُس التغيير وقاعدته الصلبة التي تنطلق منها جميع المعارف والعلوم التي يراد غرسها في النشء لصقل قدراته الذهنية ومهارات التفكير والإبداع لديه، فكان قرار تدريس الفلسفة للمرحلة الثانوية مكملاً لهذه المتغيرات التي أتحدت عنها لتصنع كياناً جديداً وسعودية جديدة أساسها الإنسان والعقل. الحركة الفلسفية في المملكة حركة لا يستهان بها خصوصاً في السنوات الأخيرة بعد بداية انحسار التيار المتشدد الذي حارب كل ما يتعلق بالعقل من نقد وتحليل كالفلسفة والمنطق وعلم الكلام ردحاً من الزمن، كما حورب رموز الفلسفة المسلمين وغير المسلمين قديماً، وكان مجرد الحديث عن الفلسفة ضرباً من الزندقة والكفر فهي على الدوام محل ريبة وشك وجدل وحذر، كيف لا وقد راجت فكرة «من تمنطق فقد تزندق» وصوبت سهام التكفير إلى كل من ألمح لكتاب فلسفي أو تجرأ بالحديث عن أهمية الفلسفة وتدريسها ناهيك عمن دعا إلى عقد حلقة فلسفية أو محاضرة تتسم بالفلسفة أو ترمي إليها، فقد كان التحفظ من مصطلح «الفلسفة» على أشده حين كانت كل ثقافة تنبثق من خلال سياج التشدد كونه الحاضن لكل فكرة وثقافة، والنابذ لكل جديد «دخيل» من شأنه إعمال العقل وتحفيز التفكير والإبداع العقلي. خطوة تدريس الفلسفة في المدارس السعودية خطوة جبارة تعد نقلة نوعية على كل المستويات وليس على المستوى التعليمي فقط، فالبدء بفسح المجال للعقل النقدي الذي لا ينصاع لأي فكرة واردة دون تحليل وتمحيص وصقل يجعلها مقبولة أو مرفوضة خلاف ما كان سائداً من الأفكار المعلبة والركون لآراء حددت مسبقاً دون نقاشها مما حيد الإبداع جانباً، وبالتالي أوقف التنمية عند حدود تلك العقول وطاقاتها، كل ذلك سيزهر بعقول متطورة تواكب العلم وتثمر بما يخدمه.