في أربع سنوات فقط أصبحت الرياض محور العالم وقضيته اليومية؛ تحولات على كل صعيد وأحداث في الداخل والخارج تعكس نمطا جديدا في المنطقة ورؤية حديثة للاقتصاد والاعتدال والسياسة والتحالفات والمجتمع، أحداث لوت أعناق العالم باتجاهنا وفي ذات الوقت أصابت الخصوم والمهزومين في المنطقة بكثير من الذعر. يفكر النظامان القطري والإيراني دائما: ترى ماذا لو استمر هذا الإيقاع السعودي لأعوام قادمة وما الذي سيحل بهما؟ كان قرار مقاطعة الدول الأربع للنظام في الدوحة والموقف السعودي الصلب تجاه طهران واللغة الجديدة في السياسة السعودية واستمرار مواجهة الخلايا والجماعات الإرهابية والحرب في اليمن والموقف الصارم تجاه التدخلات الأجنبية في الشأن السعودي، كلها مواقف تنبئ عن عملاق حقيقي يعيد تعريف معنى القوى العظمى والصاعدة في المنطقة. هكذا وجدت الأنظمة والجماعات المارقة أنها أمام قوة جديدة يمثل وجودها وصوتها الجديد إعاقة كبرى لكل مخططاتهم وتطلعاتهم، وهكذا بدأت المواجهة. لوبيات وجماعات ضغط في مختلف عواصم العالم يعمل فيها الفاسدون والمؤدلجون والهاربون من العدالة في بلدانهم، يمولهم المال القطري والعداء الإيراني وتعمل فيه الكوادر الإخوانية. تعلموا من سيناريو الحادي عشر من سبتمبر أن ما حدث حينها جعل المتهم هو الشعب، 15 من 19 شخصا الذين نفذوا الهجوم كانوا من السعودية، اتجهوا اليوم ليكون المتهم هو الدولة وليس الشعب، فكان سيناريو حادثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي. لماذا واشنطن بالذات هي المكان الذي اختاره خاشقجي وليس نيويورك أو لندن؟ لماذا الواشنطن بوست؟ تشهد واشنطن منذ سقوط الحلم الإخواني في المنطقة تشكلا جديدا لخلايا إخوانية قطرية بارزة، ففي واشنطن اشترت قطر صحيفة هافنغتون بوست لتطلق منها النسخة العربية وعينت لها رئيسا هو وضاح خنفر مدير قناة الجزيرة السابق (كان جمال مدعوا لحضور حفل إطلاق الصحيفة)، واتسعت الأنشطة القطرية الإخوانية في واشنطن بقيادة من لينا رحال شقيقة عضو الكونغرس نك جو رحال الأمريكي من أصل لبناني وأبرز مهندسي الصفقات القطرية مع حزب الله والاستثمارات القطرية في واشنطن، وساهمت لينا رحال في تقديم جمال للكتابة في واشنطن بوست وإدخاله ضمن المجتمع الإعلامي المعادي للسعودية. كل هذه الأيام منذ اختفاء جمال لم تشهد دليلا واحداً على رواية فعلية أو حقيقية، بينما تهيمن على وسائل الإعلام المعادي التسريبات والمصادر المبهمة والتي تتغذى عليها كل الجهات التي تشعر بنشوة كبرى وهي تراقب ما حدث. لم يستوعب العالم كيف أن دولة من الشرق الأوسط يمكن أن تتخذ موقفا كالذي اتخذته المملكة من كندا أو ألمانيا وتحمي سيادتها بتلك القوة وتبث من خلال تلك المواقف رسائل واضحة للعالم، ولا يمكن لكل أولئك الذين تحطمت أحلامهم ومشاريعهم في الفوضى والهيمنة في المنطقة إلا أن يبحثوا عن سيناريو جديد لإدانة المملكة ومحاولة إلحاق الأذى بصورتها دوليا. بالأمس وزير الخارجية التركي يقول إن بلاده لم تسلم أي تسجيلات لأية جهة، وفي الغالب لا وجود أصلا لتلك التسجيلات، وليس من الصعب على استخبارات أية دولة أن تعطل كاميرات قنصلية ما في بلادها، وليس من الصعب كذلك أن تسهم في بناء حبكة بهذا الشكل وأن تترك لإعلامها الباب ليواصل التسريبات الوهمية التي لا أساس لها، إنما ما الذي سيحدث في نهاية المطاف؟ ستنتهي هذه الأزمة كما انتهت غيرها من الأزمات، دون أن يحدث شيء خلاف هذا الضجيج الذي سنضيفه إلى سجل الأزمات التي مرت بها المملكة وسنتعلم منه كما تعلمنا من غيره، نتعلم منه فعلا من هم الأصدقاء ومن هم المتربصون، وستستمر مواقفنا المؤثرة في المنطقة في اليمن وتجاه النظام في قطر ومواقفنا نحو الاعتدال والتنمية والمستقبل. هذه الخطوات العظيمة لا يمكن أن تمر دون مواجهة، وكل تلك القصة العابرة ليست سوى فصل واحد من فصول المواجهة وربما يكون آخرها. * كاتب سعودي