صدر العدد السابع من مجلة الدراسات الإيرانيَّة التي تصدر عن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة) وسلط الضوء على أبرز المستجدات والتفاعلات المتعلقة بإيران، حِرصًا منها على سبر أغوار الشأن الإيرانيّ بدقة، والعمل على الغوص في بنيتها العميقة بعد استخدام الأدوات البحثية والمعالجة الشموليَّة. وفي الصفحات الأولى من المجلة أتت دراسة «سياسات فنّ الأداء في إيران: نفي السُّلْطة جماليًّا»، لتصنع مقاربةً جماليَّة تتخذ من الأداء الجسماني مُرتكزًا، لفهم الرسائل المواربة والرافضة للقيود وحالات الكبت التي يتخذ منها النِّظام أسلوبًا مع الشعب، الدراسة التي كتبها المتخصص بالمسرح من جامعة السوربون الفرنسيَّة عمَّار المأمون، عالجت ثلاثة أشكال من فنون الأداء الجسدي التي قام بها فنانون ومؤدّون وناشطون في إيران، من منطلق أنّ الأداء هنا ليس فقط عملًا فنيًّا، بل أيضًا عملية احتجاجيَّة، يُكشَف من خلالها وهن العلاقة السياسية بين الحاكم والمحكوم. أما الدراسة الثانية «الخبرة الإيرانيَّة والعتبات المقدَّسة في العراق» فقد تتبعت تاريخيًّا تحوُّل دور العتبتين في كربلاء من ديني إلى سياسيّ تأثُّرًا بالخبرة الإيرانيَّة، وكيف انتقلت من كونها بنية دينية غير مؤسّسية، إلى مؤسَّسة معقدة تركيبًّا وإداريًّا، تماشيًّا مع تطور نظام الحكم، وازدياد التداخل بين الدين والسياسة في العراق. وبشكلٍ استشرافيّ حاولت الدراسة الثالثة تقديم رؤية مستقبليَّة ل«مكانة إيران في الشرق الأوسط» على ضوء وجود عوامل وتطوُّرات لها تأثيرها على المسارات المستقبلية المحتملة للأدوار الإيرانيَّة في مرحلة ما بعد التوصُّل إلى الاتِّفاق النووي يوليو 2015م، ومن أبرز التطوُّرات الأخيرة في هذا الصدد المظاهرات والاضطرابات الداخلية التي شهدتها إيران نهاية عام 2017م وبداية يناير 2018م وما خلّفته من تساؤلات حول مدى استقرار النِّظام، ولا سيّما على خلفية الاصطفافات والخلافات بين الأجنحة الداخلية الإيرانيَّة واحتمالات التغير القيادي في مرحلة ما بعد المرشد علي خامنئي، مع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية ضدّ إيران وسياساتها على ضوء التوجهات الجديدة لإدارة الرئيس الأمريكيّ دونالد ترمب بالانسحاب الأمريكيّ من الاتِّفاق النووي في مايو 2018م، هذا ولم تُغفل الدراسة انعكاس هذه المآلات المستقبلية على دول الجوار، وما ينبغي لهذه الدول من تدابير احترازية لما قد تفرز هذه التحوّلات المرتقبة. كما رصدت الدراسة الرابعة، وهي بعنوان «ممر الشمال-الجنوب»، حدود الدور والمراهنات الإيرانيَّة المرتبطة بمشروعات هذا الممر، بوصفه يمثل أحد البدائل المهمَّة التي اعتمدت عليها إيران بوصفه مدخلًا للتحول إلى نقطة مركز وتقاطعات خطوط التجارة العالَمية بين عدد من الأقاليم التي تشمل جنوب آسيا، وآسيا الوسطى، وشمال أوروبا، ومنطقة القوقاز، وغربي آسيا. هذا التوجُّه الذي يمثل قضية عالَمية شغلت الرأي العام كثيرًا. وقد نجحت إيران في استغلال وجود مصالح لدى تلك الدول في تدشين هذا الممر. أما الدراسة الخامسة جاءت بعنوان «إسرائيل واستراتيجية مواجهة البرنامج النووي الإيرانيّ» وقدمت تحليلًا للموقف الإسرائيلي من البرنامج النووي الإيرانيّ، والتهديدات التي يطرحها هذا البرنامج على أمن تل أبيب، والسياسة الإسرائيلية تجاه هذا الملفّ، وحدود دور إسرائيل في التأثير على الاتِّفاق النووي الذي وقَّعَته إيران مع مجموعة (5+1) في منتصف 2015م، دون نسيان النفوذ الإيرانيّ وتأثيره على الأمن الإسرائيليّ، انطلاقًا من ردود الأفعال الأخيرة. وجاءت الدراسة السادسة والأخيرة «العلاقات الإيرانيَّة-المغربية: تناقضات التوجهات الخارجية ومستقبل العلاقات الثنائية»، قالت أن تفكِّك السياسة الخارجية للبلدين ونقاط الخلاف الرئيسة في المبادئ والتوجهات الحاكمة لكلتا السياستين، وصولًا إلى معرفة أساب تدهور العلاقات والوصول بها إلى مرحلة القطيعة، وأخيرًا احتمالات المستقبل، وتكمن أهميَّة هذه الدراسة كذلك في تسليط الضوء على تدخلات إيران في شؤون الدول الأخرى وما يتّصل بذلك من آثار سلبية في علاقاتها بها. تجدر الإشارة إلى أن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)،مؤسسة أهلية غير ربحية تقدم الدراسات والبحوث والرصد الإعلامي للشأن الإيراني ويصدر عن المعهد كتب وتقارير شهرية واستراتيجية ويقدم دورات واستشارات في الشأن الإيراني والإقليمي ويعقد الندوات وورش العمل والمؤتمرات، كما يتمتع المعهد بشبكة علاقات متميزة مع مراكز الدراسات وبيوت الخبرة الإقليمية والعالمية.