لم يعد هناك طريق للالتفافات الإيرانية، بحثاً عن أزقة معتمة لتمرير مؤامراتها الشريرة التي تستهدف استقرار البلدان وأمنها. فقد تم إحباط رهانات الملالي على زعزعة أمريكا الجنوبية وأفريقيا. إذ لم تعد أمريكا الجنوبية منجماً لتهريب الكوكايين لمصلحة «حزب الله» الإرهابي، فيما لم تسمح حكومات أفريقيا لإيران بِنَشر «التشيع»، والحقن الطائفي لنسف الوحدة الوطنية لشعوب القارة السمراء. وفي اليمن.. كان وقع الصفعات مدوياً، إلى درجة أن تعليمات طهران للحوثي ألا يرسل وفداً لمشاورات السلام الأممية في جنيف. فقد خسر الحوثي أكثر الممرات البحرية والموانئ التي تتيح له تلقي السلاح وقِطع الصواريخ من نظام الملالي. وبدأ يفقد وجوده على الأرض، فيما تكسب قوات الشرعية بإسناد من «التحالف» العربي الذي تقوده السعودية محافظات ومدن وقرى كانت ترزح تحت نيران الاستعمار الفارسي. وفي سورية لم تعد إيران طليقة اليد كما كانت سابقاً. غير أن المفاجأة التي لم تحسب لها إيران جاءتها في البصرة القريبة من حدودها. وهي التي كانت تخطط لتغيير تركيبتها الديموغرافية بالكامل، فتفوز بنفط العراق، ومينائه الاستراتيجي (أم قصر). فقد فاجأها أهل البصرة، سنّة وشيعة، باقتحام قنصليتها هناك، كما أضرموا النيران في مقار الميليشيات التي تستخدمها واجهةً لمحاولة بسط نفوذها، لاستعمار العراق والاستئثار بمقدّراته وثرواته. فقد قرر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، منذ أكثر من عام أن الوجهة الصحيحة لانتشال بلاده من الكوارث التي جعلتها مشلولة تتمثل في استعادة الانتماء العربي للعراق، وليس الاتجاه به إلى الفرس. ومن هنا جاءت زيارة العبادي الشهيرة للرياض في 2017، وإبرامه اتفاقاً مع السعودية لإنشاء لجنة عليا مشتركة لتحديد مسارات التعاون الثنائي، خصوصاً الاستثمارات، والبنية الأساسية، والاستفادة من الثقل السعودي والعربي في المحافل الإقليمية والدولية لمصلحة العراق. ولعل آخر القرارات التي أصدرها العبادي أخيراً، وأثارت ضيق إيران، قراره الإطاحة بقائد ميليشيا الحشد الشعبي، وتوليه توجيهها بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية. وخاضت إيران معركة الانتخابات العراقية بكل الإغراءات للناخبين العراقيين، غير أن النتائج لم تأت في مصلحة تعزيز نفوذها. ولم يتسن لإيران أن تتمكن حتى من تجميع الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي، لضمان عودة ضفدعها المدلل نوري المالكي لرئاسة الحكومة، واطلاق يد مرتزقها الآخر قائد ميلشيا فيلق بدر هادي العامري. وتتمثل أهمية احتجاجات البصرة، في أنه أول إجماع شعبي عراقي على مواجهة التدخلات الإيرانية في بلادهم، منذ الحرب مع إيران التي قادها الرئيس العراقي السابق صدام حسين في ثمانينات القرن الماضي، لأسباب مماثلة. وهي الحرب التي انتهت بتجرع الملالي السم وهزيمتهم وتكبيل دور عميلتهم الدوحة التي تصفهم ب «الشريفة»!. تبدو إيران عاجزة عن تحقيق أي اختراق لمصلحة مشاريع الهيمنة التي تحلم بها، بعد أن تم كشف مخططاتها وفضح عملائها ووكلائها، يعود الدور الكبير للجهود السعودية الحازمة تجاه التدخلات الإيرانية الإجرامية، ولا تزال في خصام مع الولاياتالمتحدة، بل تضاعفت تلك الخصومة في عهد إدارة الرئيس دونالد ترمب. وهي لا تستطيع مواجهة السعوديّة إلا عبر جواسيسها وأذنابها. كما أنها غير قادرة على ضم لبنان وسورية وغزة إلى فلك نفوذها لأنها غير قادرة على تجييش القوة العسكرية اللازمة لمواجهة القوى الدولية التي تفرض هيمنة النظام العالمي المستقر في تلك البلدان. الأكيد أن متظاهري البصرة تنادوا إلى الساحات والشوارع ليقولوا كلمتهم في ما يريده العراق: «إيران بَرّه بره.. والبصرة حُره حره». وهو هتاف يختزل الحكاية الكاملة في الرغبة العربية في التصدي للنفوذ الفارسي، أياً تكن نتيجة تلك المواجهة مع ملالي طهران وقم وعملائها.