يبدو أن صدى الحملة التي شنتها المملكة على الفساد، في نوفمبر من العام الماضي، عبر لجنة عليا لحصر قضايا الفساد وشكلت بأمر ملكي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تجاوزت البعد المحلي لتنطلق كمطلب في عدد من البلدان العربية، التي يرى مواطنوها أن الفساد نخرها وشل حراكها الاقتصادي. ولم يكن غضب المواطن اللبناني العارم في مطار رفيق الحريري ببيروت ضد موظفي المطار، وإشارته إلى «أننا نحتاج إلى مثل محمد بن سلمان حتى يربي الفاسدين» إلا دلالة لإيمان عربي بنجاعة الحملة التي شنها ولي العهد على الفساد. ورغم مواقفه السلبية والمتحاملة على السعودية، إلا أن النائب السابق في البرلمان العراقي إياد جمال الدين أرفق تذمره عن حالة الفساد المستشرية في بلاده بتساؤل مفاده «متى نرى محمد بن سلمان عراقيا، يعصف برؤوس الفساد الكبيرة؟!»، وغرد طبيب عراقي عن إمكان استعادة بغداد الأموال المنهوبة من الشعب العراقي بعد عام 2003 بشريطة أن يكون هناك شخصية كشخصية ولي العهد، مضيفاً «فقط نحتاج إلى محمد بن سلمان عراقي». واستطاعت المملكة استعادة أكثر من 100 مليار دولار من حربها على الفساد الأخيرة، وأشارت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني إلى العوائد الإيجابية على المملكة جراء التسويات التي خرجت بها من حملة الفساد. ونجحت الرياض في إرسال رسالة قوية مفادها بأن الجهات الرقابية لن تتسامح مع الفاسدين وناهبي المال العام، دون النظر لأي اعتبارات. ولم تكن حرب السعودية الضارية مع الفساد ترفاً، بل جاء ضرورياً كما أكده ولي العهد في حوار مع الكاتب الأمريكي ديفيد إغناتيوس في صحيفة واشنطن بوست. وشبه الأمير محمد بن سلمان خطورة الفساد في المجتمعات ب «أن يكون لديك جسد مصاب بالسرطان في كل أعضائه، سرطان الفساد، عليك استخدام العلاج الكيماوي، وإلا فإن السرطان سيلتهم الجسم»، مضيفاً «أن المملكة لن تتمكن من تحقيق أهداف الميزانية دون وضع حد لهذا النهب». ويعزو مراقبون نجاعة حرب المملكة على الفساد إلى أنها بدأت من الأعلى، مستشهدين بتأكيد الأمير محمد بن سلمان في مقابلته التلفزيونية الثانية مع داوود الشريان، إذ شدد فيها على أنه إن لم تكن مكافحة الفساد على رأس السلطة فلا جدوى منها، مضيفاً أن أي أحد تتوافر ضده الأدلة الكافية سيحاسب أكان وزيراً أم أميراً. وبدت حرب السعودية على الفساد التي كان عرابها الأمير محمد بن سلمان بدعم وتفويض من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مطلباً ملحاً في البلدان العربية. وأضحت أحاديث نقل التجربة إلى البلدان العربية متداولة بكثرة في المجالس الاجتماعية و«مواقع التواصل».