كم هي الحياة جميلة.. كل شيء فيها مبهر.. الأحفاد في البيت ينتظرهم مستقبل مشرق.. الضوء عند الفجر.. صوت المؤذن.. العصفور على النافذة.. أغنية آمال ماهر «عودتني أهواك حتى في الكراء ووعدتني أن الحياة جميلة».. فكرة تتوهج في الليل عنوانها إنشاء مدينة (نيوم) لتلقي مكانها في النهار.. قهوة تفوح بالهيل.. شوارع آمنة للتسكع عند السحر.. خساراتنا وأفراحنا.. موال بدوي.. وأنا أرى كل هذا.. المشيب في المفرق.. وحقل التجاعيد حول العينين.. أما الروح فلا تزال سوسنا.. والقلب نورسا.. كم جميل أن أرى وأسمع وأشم.. رائحة أحفادي.. أشم رائحة الأطفال فيهم.. ألامس أنوفهم الصغيرة كحبات الكرز بأنفي الكبير.. ثم أدغدغ بطونهم فينفجرون ضاحكين.. وأعبث بشعورهم.. لم لا يعي الإنسان جمال هذه التفاصيل الصغيرة.. الحياة جنة لمن يعرف تفاصيلها جنة الحب.. وتقدير النعمة.. الحياة نعمة كما الخبز.. وهي نعمة مقدسة.. لطالما جبلت على التقاط كسرات الخبز من الأرض أينما وجدتها.. أقبلها ثم أحتفظ بها في مكان مرتفع كي لا تداس بالأقدام فتدنس.. لطالما علمتني أمي أن أقبل الخبز سبعاً وأضعه على جبيني قبل أن أبحث عن مكان عال ونظيف أحفظه فيه.. والمعرفة.. نعم المعرفة نعمة تمنحك ارتواءً عجيباً يسري في من حولك.. لقد حصنني الله بالمعرفة والدين والترحال وحب بلادي.. من هذا الدود الأسود.. الكلام الذي يشبه القيء.. وبعضه قيحاً لا يترجم سوى دمل كبير في داخل من يبثه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. حيث اللغة تغتسل في رجسها الذي انغمست فيه دهورا.. هذا السيل الأسود.. أصبح يأتي كدابة الأرض.. ينحدر ليسرق أحلام البسطاء.. الطريدة السهلة.. وما أقوله إن الحكاية انتهت يا من تدعون الناس إلى الانكفاء على أنفسهم كأشجار يائسة.. لقد بدأت حكاية مختلفة جديدة.. غير التي تريدونها.. كتبنا سيرتنا المشتهاة.. كتبناها بسواعد الشباب من أبنائنا وأحفادنا الماسكين بزهرة المستقبل.. فالحياة على الأرض فعل عبقري.. أصعب بكثير من فلسفة القبور.. نعم لا يمكن الحياة أن تكون غلطة وفيها كل هذه الإيقاعات الجميلة.. هذا وطن يقع في مرمى إستراتيجيات احترافية جديدة.. يرتفع بأفكار غير المعتادة أو مألوفة.. لغة تطير به فوق السحاب.. وطن لم يعد يجيد الانتظار.. لم يعد ينتظر قطارا لا يأتي.. وطن يدب دبيبا ويمضي قدما نحو أهداف بلون الشمس.. شجرة سنديان ضخمة عميقة الجذور قوية الجذوع.. ممتدة الأفانين.. متشابكة الأغصان.. جريئة الحضور في العالم كحضارة عظيمة.. يا إلهي.. يا رب الأشجار.. شكراً لأنك أوجدتني في هذه الأيام.. وشكرا لأنك أوجدت في حياتي زارعاً للأشجار.. أشعر أنني ممتلئ.. لم يعد يوجعني شيء.. لم يعد يعذبني شيء.. لا شيء يعتلني.. فقط مثقل بالمعنى.. مرهف كجناحي فراشة.. حالم كجفني صبية.. وبي رغبة واحدة.. أن أكتب وأكتب بماء الروح.. لأقاوم قنوات تصريف المياه العفنة من يكتبون بطين الكراهية ومداد الأحقاد.. سأكتب عن القاتل والمقتول.. وسأنحت من عبق الكلمات فضاء ترتفع فيه القامات.. سأكتب عشقا لوطن.. يمر من ورائه القمر.. ويضحك تحت قدميه زهرة النرجس طوعاً ويكتبون خوفاً وستنتشر نصوصي كالعطر.. وتلتقطها القلوب فتستنشقها.. وسيتنفس عطر كلماتي كل من كان ويحيا بها.. سأكمل رحلتي إلى المعنى.. فالطريق لا ينتهي.. ولي حلمي.. ولي فكرتي المتوهجة.. ولي نصي المشتهى.. ولي أغنيتي.. وسأعيش في هذا الوطن مرفوع القامة وحتى أصير عشبا للأرض.. وإن عشت ضمآن.. ولكني أريد القطر أن ينزل بعدي ! * كاتب سعودي