أثار كتاب صدر حديثاً عن أدبي الباحة للباحث الأكاديمي الدكتور أحمد قشاش، بعنوان «أبحاث في التاريخ الجغرافي للقرآن والتوراة ولهجات أهل السراة» جدلاً واسعاً في أوساط المثقفين ومواقع التواصل، إذ عدّه البعض امتداداً لما كتبه كمال الصليبي، وفاضل الربيعي وآخرون، فيما تحفظ البعض على فكرة الكتاب، وأشاد فريق ثالث بمغامرة الكاتب وتتبعه لبعض الآثار والنقوش ورصده للغات السامية المنقوشة في جبال السراة من اليمن إلى الطائف، خصوصاً أن الدكتور قشاش يجيد لغات عدة، من بينها العبرية. كتاب قشاش يعيد قراءة التاريخ الجغرافي للقرآن والتوراة، في كتابه الجديد عن نادي الباحة الأدبي والانتشار العربي أثبت في كتابه أن بني إسرائيل إحدى قبائل العرب القديمة، وكشف الأسرار المغيبة في حياة نبي الله إبراهيم، وأثبت أن مسرح أحداث قصص سيدنا موسى وفرعون كانت جنوب غرب الجزيرة العربية. من جهته، يرى الناقد الدكتور صالح زياد أن كتاب قشاش يؤيد ما جاء في كتاب الصليبي عن التوراة في جزيرة العرب، وتساءل ما هي الحكاية؟. فيما ذهب الدكتور سليمان الذييب إلى أن «قشاش» لا يبحث عن الشهرة، الآفة التي أُصبنا بها هذا الزمن، كونه عميدا وبمرتبة أستاذ، وعدّ كتابه اجتهاداً منه يصيب كما هو في غالب مقاطعه ومشاركاته في النباتات وغيرها، ويرى أنه أكد أمرين، أولهما: أن بني إسرائيل قبيلة عربية، وثانيهما: أن منطقتي «جيزان وعسير» هما المنطقتان اللتان خرج منهما موسى عليه السلام. وأضاف «لم تثرني هذه الآراء لأنها قديمة وتعود في أصلها إلى المؤرخ كمال الصليبي»، مشيراً إلى أن باحثين منهم: زياد منى، وفاضل الربيعي، وأحمد الدبش، وفرج الله ديب، وإسرائيل فنكلشتاين، ونيل سيبلرمان، وهانس فوروهاجن، وجمعية التجديد الثقافية في البحرين، وغيرهم تناولوا الموضوع. وأبدى الذييب تحفظه على المبالغة وعدم الأمانة فيما ورد في زاوية هذا الكتاب، مثل قوله: «يكشف لأول مرة عن المسرح الحقيقي لأحداث قصص موسى عليه السلام وفرعون»، و«نصوص التوراة تحوي سجلاً مفصلاً لتاريخ العرب القديم». ويؤكد أن هاتين العبارتين تنسفان الكتاب، إذ يشوبهما ما يشوبهما، وكشف الذييب أن علم اللغات القديمة عند المتخصصين لا يقوم على الاعتداد بالتشابه بين أشكال الحروف أو الأسماء أو غيرها، لأن أشكال الحروف تؤخذ في العادة من البيئة المحيطة. من جهته، أوضح المؤلف الدكتور أحمد قشاش أن لديه منهجية علمية ومعرفية تؤهله للبحث والمقاربات، مبدياً أسفه أن يصدر البعض أحكاماً على العنوان، كون الكتاب الذي عمل عليه 6 أعوام، صدر منذ أسبوع ولم يوزّع بعد على المكتبات ونقاط البيع، وسيوقع الإثنين القادم في أدبي الباحة، مؤملاً قراءة الكتاب أولاً ثم إصدار الأحكام. رئيس أدبي الباحة حسن الزهراني، قال: «سعيد جدا بهذا الحراك الذي تحول إلى ما يشبه العراك»، وأضاف: «كم تمنيت على من أصدروا أحكامهم أن يتريثوا حتى يقرأوا الكتاب، ووعد بأن يقيم النادي ندوة حول الكتاب وموضوعه». فيما قال الكاتب الشريف محمد الحارثي: «صعب الحكم على كتابٍ لم يُقرأ بعد، ولكن أرجو ألا يردد المؤلف افتراءات الصليبي فهي واهية مزيفة لم يتبنها اليهود أنفسهم، ولم يتبنها مؤرخو الإسلام الأوائل». الدكتور عبدالله العمري يرى أن المؤلف أبعد النجعة وأكبر الفرية، فمصر أرض الفراعنة، وسيناء أرض تيه بني إسرائيل وأرض كنعان وجباروها في فلسطين، وحدث الناس بما يعقلون، وعجبي من طرح الإخوة والذي سلم بهذا البهتان. فيما قال الأكاديمي عبدالله العلاف: «البرفيسور أحمد قشاش يجمع بين العلم والأدب والشريعة واللغة، وأعتقد أنه لا يورد مسألة إلا بدليلها، ويرى أن البحث العلمي قابل للمناقشة، خصوصا إن كانت هناك نظريات ترتقي إلى القطعية، إضافة إلى أن بحوث هذا الإصدار محكّمة من جهات عدة ومراكز علمية ودولية». من جانبه، قال المؤرخ الدكتور زيد الفضيل: «ما كنت أرجو أن يصدر مثل هذا الكتاب من مركز رسمي للأدب والثقافة تابع لوزارة الثقافة أيضا»، ويرى أن الكتاب لن يقدم جديدا وهناك من سبقه كذلك، فهو يغرد بعكس ما نحن فيه، ويقول بما لم يقله الإسرائيليون أنفسهم وهم أصحاب الشأن، وأضاف: «ليت مؤسساتنا تدرك أن الحرية المعرفية مسؤولية ووعي أولاً». ويرى الباحث خالد بن عمر الفقيه أنه سواء اتفقنا مع قشاش أو خالفناه، إلا أنه من الباحثين الجادين في المنطقة، ولا يغمط حقه وجهوده إلا من ليس لديه دراية بالمشقة التي يعانيها الباحث في تاريخ منطق الباحة، كون المصادر شحيحة، والدراسات العلمية نادرة.