قرأت ذات يوم عبارة عن المناصب الوظيفية جاء فيها: «إن مرارة فطام المناصب ينسى شاغلها حلاوة رضاعها»، فكأنه يوم يقال منها لم يذق حلاوتها قط فلا يشعر إلا بمرارة الفطام!؟ وقد تأملت تلك العبارة وحاولت ربطها بمواقع المناصب الوظيفية التنفيذية فوجدت أنها تنطبق على أحوال العديد من شاغليها خاصة الذي يكون لديه شبق لامتصاص حلاوة المنصب وما يصاحبه من أضواء ومكانة اجتماعية وتزاحم على باب صاحب المنصب من قبل أصحاب الحاجات، والتفافهم حوله في المجالس، وترقب نظرته نحوهم بلهفة، والإصغاء لحديثه أو التظاهر بذلك وكأنه حكيم زمانه وبليغ أوانه، وغيرها من المظاهر التي تصاحب المناصب ويتلذذ بها شاغلوها ما داموا محتلين لها حتى أنهم لا يشعرون بمرور الأيام والأعوام، لأن أزمان السعادة قصيرة وإن طالت، وأيام الشقاء طويلة وإن قصرت، وهكذا تستمر عملية الرضاعة من حلاوة المنصب حتى تنتفخ أوداج «الرضيع»، وقد يدركه الغرور فينبه على من حوله ويمشي بينهم مثل الديك الرومي وهو يقول: «يا أرض انهدي ما عليكِ قدي!» ولكن الرضاع لا بد أن يعقبه فطام، فإن حصل الفطام وأفاق صاحب المنصب على قرار الإعفاء وجد في حلقه مرارة هي أشد من العلقم فكأنه لم يذق حلاوة الرضاع قط وكأنه لم يبق في منصبه إلا ساعة من نهار، مع أنه يكون قد مكث فيه العديد من السنوات ورضع من حلاوته بنهم شديد، إلا أن قطرات المرارة المصاحبة للفطام تمحو خلال ثوانٍ كل ما عاشه من لذائذ الرضاع. على أن من الواجب التنويه بوجود من تسنموا مناصب في إدارات حكومية أو شركات أو مؤسسات فوضعوا مخافة الله نصب أعينهم، واعتبروا المنصب تكليفاً لا تشريفاً، فاجتهدوا في خدمة المصلحة العامة حتى أحيلوا للتقاعد النظامي أو المبكر، فهذه الفئة الكريمة «والكرام قليل» لا يحفلون بحلاوة المنصب وبالتالي لا يشعرون بمرارة فقده لأنهم لم يجعلوه مصدر فخر وزهو بل وسيلة لخدمة أبناء الوطن. * كاتب سعودي