محمولاً في جيوب الثياب الأمامية إلى مقربة من القلب، أو مودعاً في محافظ النقود، أو مهترئاً منسياً في درج السيارة يعلم جيداً أنه مفتاح الحل ل«زنقة مالية»، رحيله يعني العدم، ومن شأنه أن يصنع من مالك ال 999,999 مليونيراً، فلم يكن الريال الورقي مجرد عملة تتداول يقايض مقابلها السعوديون شيئاً معيناً من البائع، بعد أن شاركهم كثيراً ذكريات المقاصف المدرسية، وتبرعات فلسطين في المدارس، والثروات الكبيرة التي تحقق أحلام الصغار، بصوت فرقعة إصداراته الجديدة كل عام، ورائحتها التي كثيرا ما كانت ترافق الشهيق العميق لترسل خيالات الصغار إلى مفازات أحلام الثراء عند الكبر. حاملاً ذكريات طوابير المقاصف والمخابز والفوالين، وطاوياً معه أحلام ثراء الصغار من أولى ريالات العيدية إلى أخواتها التي كانت تضبط إيقاع الصرف اليومي المصروف اليومي الموزع بين فسحة المدرسة ومدخرات العام المودعة في «الحصالة»، أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي شهادة وفاة الريال الورقي، وإحلال المعدني وعائلته عوضاً عنه، بدءاً من الخميس القادم. الوداع المر للريال الورقي، والذي جاء في خطوة تهدف إلى إطالة العمر الافتراضي ل «المعدني»، بعد أن كانت مرحلة حياة «طيب الذكر» الأبيض لا تتجاوز ال 11 شهراً، مقابل ال 20 عاماً للمعدني، سكن فيها جيوب السعوديين صغاراً وكباراً رفيقاً لهم منذ العام 1953، شاركهم طيلة 64 عاماً أحلام الثراء الصغيرة، التي كانت سريعاً ما تبدد أمام أول دكان ينسف الثروة الضئيلة حتى وإن طال أمد الاحتفاظ بها، وإن شوهت ملامحه واهترأت.