«أقوى عقوبات في التاريخ».. بهذه العبارة وصف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أمس الأول العقوبات التي من المقرر أن تفرضها واشنطن على النظام الإيراني عقب انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاق النووي المشؤوم الذي أطلق يد مخابيل طهران للعبث في المنطقة. ما أفهمه من عبارة بومبيو ويفهمه كل متابع لتطور الموقف الأمريكي في المسألة الإيرانية منذ جلوس الرئيس دونالد ترمب على كرسي الرئاسة في المكتب البيضاوي هو صدور قرار نهائي باقتياد تنظيم خامنئي إلى غرفة الإعدام، فالشروط ال12 التي أعلنت عنها واشنطن لرفع العقوبات عن الإيرانيين شبه مستحيلة التنفيذ، وهو ما عبر عنه مسؤول إيراني كبير لوكالات الأنباء بقوله: «هذه الشروط تثبت أن أمريكا تسعى بالتأكيد لتغيير النظام في إيران». الأمريكيون يعرفون جيداً أن وضع القط في القفص وتركه يموت جوعاً أقل كلفة وضجيجاً من إطلاق الرصاص عليه، لكن ما يهمهم حالياً هو توحيد الموقف الأوروبي معهم في هذا الشأن، وإن فشلوا في ذلك سياسياً فلن يفشلوا اقتصادياً، وهذا أمر شبه محسوم بعد التحذير الشديد الذي وجهه بومبيو للشركات الأوروبية من القيام بأعمال تجارية في إيران، إذ إن ذلك سيمنعها من الوصول إلى السوق الأمريكية، وهي مسألة ستدفع هذه الشركات إلى التخلي قسراً عن أي أنشطة تجارية تربطها بطهران فورا، مما سيُفرغ الموقف السياسي الأوروبي من معناه ويُسقط «الاتفاق النووي» من جهة الأوروبيين عملياً. عبارة أخرى مهمة ذكرها بومبيو خلال استعراضه «الإستراتيجية الجديدة» للولايات المتحدة تجاه طهران وهي قوله: «في نهاية الأمر.. سيتعين على الشعب الإيراني اختيار قادته»، قال ذلك لإدراك الإدارة الأمريكية التام بأن الشروط ال12 في حقيقتها شروط تعجيزية لنظام الملالي وهدفها الوحيد إسقاط هذا النظام البلطجي في سلة نفايات التاريخ وربما الجغرافيا أيضاً عبر استقلال أقاليم إيرانية تغلي حالياً كدول هاربة من جحيم 40 سنة هي عمر التنظيم الإرهابي الحاكم في طهران. قد يسأل البعض لماذا الشروط مستحيلة التنفيذ من قبل الإيرانيين؟ والإجابة هي: أولاً: لأن جنون العظمة الذي يسكن جمجمة خامنئي وجماجم رفاقه لن يسمح لهم اليوم بإيقاف كل أنشطة تخصيب اليورانيوم بدون استثناء وإغلاق مفاعل الماء الساخن الخاص بها ومنح المفتشين الدوليين حق الوصول غير المشروط إلى جميع المواقع في البلاد، فهذا انتحار سياسي بالنسبة لهم. ثانياً: لا تستطيع حكومة الملالي اليوم السيطرة على الشياطين الصغار الذين زرعتهم في المنطقة وزودتهم بالصواريخ الباليستية وتقنياتها وبالتالي لن يكون بمقدورها ضمان توقف أنشطتهم ما يعني عجزها عن الالتزام بالشروط المتعلقة بهذا الشأن. ثالثاً وأخيراً: الانسحاب الإيراني من سوريا يعني إجبار الميليشيات الإرهابية الإيرانية على العودة إلى موطنها وبالتالي نهاية مشروع الهلال الصفوي وسقوط العقيدة التي بُني عليها ما سيعجل انفجار الوضع الداخلي واحتراق النظام آليا، أي أن الخيارات التي تقدمها واشنطن اليوم لنظام خامنئي لا تعدو كونها مجرد خدعة ل«اختيار طريقة الموت المناسبة» لا أكثر. * كاتب وإعلامي سعودي Hani_DH@ [email protected]