على ضفاف وادي ترج جنوب غرب بيشة عاش علي بن زبران الحارثي ذو التسعين عاماً، على ذات الأرض التي عرفها وعرفت موطئ قدمه، مستذكراً الفرق بين رمضان في الماضي والحاضر، بعد أن تغير كل شيء عليه في رمضان من مائدة الطعام، حتى التعاليم الدينية التي كانت تكلف الكثيرين منهم حياته دون الإفطار. ويتذكر العم علي جيداً مائدته التي لم تكن تحوي سوى تمر وماء ولبن، ومخبوزة من البر يختزن شيئاً منها للعشاء، إلا أن غالبية أيامه كانت تمضي دون عشاء، يقول: «كنّا نتناول السحور بعد منتصف الليل، قبل الفجر بنحو ساعة حسب التقدير حالياً ثم ننام، وقبل شروق الشمس نصلي الفجر ثم أبدأ التناوب وزوجتي على رعي الأغنام حتى صلاة الظهر».. ويروي العم علي طريقة تأكدهم من دخول وقت الإفطار، والتي كانت غالباً من خلال تأكدهم من غروب الشمس واتضاح العتمة، يقول: «كنا نفطر في رمضان قديماً بعد تأكدنا من غروب الشمس واتضاح العتمة، على تمرات وقليل من الماء، ثم نصلي المغرب ونتناول القليل من الموجود بعد الصلاة، أحياناً لا نجد تمراً أو طحيناً، فنأكل من ثمار الأشجار مثل (النبق) من شجر السدر، ثم ننام بعد العشاء مباشرة». السبعينات الميلادية كانت بالنسبة للعم علي تطوراً جديداً، من خلال بدء ذهابهم للأسواق والبدء في حياة التمدن، الأمر الذي أثر في طريقة معيشتهم، يقول: «أصبحنا نذهب للأسواق في بيشة وتهامة والحجاز ونشتري الحبوب مقابل ما لدينا من تمور، ونحمل ما نشتري على ظهور الإبل، وأصبحنا أيضاً نتجاور في البادية كل 3 أو 4 بيوت شعر متقاربة، ونتسامر في ليالي رمضان من المغرب إلى الساعة 9 تقريباً قياساً بوقتنا في هذه الأيام، لم يكن لدينا وسائل ترفيه، ويتميز الشخص الذي يسكن إلى جوار آناس آخرين عن غيره، كنا نتسامر لمدة لا تتجاوز ساعتين، ثم ننام». ولم تقتصر معاناة العم علي على الفقر قديماً فحسب، بل جاوزت ذلك إلى جهلهم في تلك الحقبة للعديد من التعاليم الدينية، التي كانت تتمثل في عدم الإفطار لأي سبب كان كالمرض أو العطش الشديد حتى لو كلف الأمر أحدهم الموت، يقول: «هناك من مات من العطش ولم يفطر ظناً منهم أن ذلك يوردهم النار مباشرة، كنّا نعاني الخوف والعزلة، كنّا أيضاً لا نحتفل بالعيد إلا بعد مرور 30 يوماً كاملة، نحسبها بوضع حصوات من الحجارة الصغيرة حصوة مقابل كل يوم وبعد انتهاء الحصوات ال 30 نحتفل بالعيد».