ليس الشعراء ملائكة كما أنهم ليسوا شياطين وإن أوحت إليهم مردة الجن بعض الخواطر والنوادر، الشاعر بشر من ماء وطين، ولحم ودم، تغشاه ما تغشى من طيش ونزق ورغائب ونزوات وما من مخلوق لم تزل به قدم سوى من عصم الله، وفي شهر رمضان تتجلى صور من صحوة ضمير الشاعر، وإنابته إلى الله واستعادة حيوية الإيمان بالاستغفار والذكر، والشاعر تركي الميزاني أحد الأسماء المجيدة والماهرة لصياغة الشجن الابتهالي وفي مناجاته لربه يستدعي العظمة والكبرياء لنجدة الضعف (يا خالق الخلق يا محصي الخطا والصواب، تعالت أسماك مالك في صفاتك خشير، يا محيي الأرض بأمرك من حمول السحاب، يا عالمٍ بالحياة وما يؤول المصير). يأتي بعد المدخل الاستهلالي المضمخ بالثناء على الله بما هو أهله، إلى الاعتراف والإقرار بما يحمّل الإنسان نفسه من ذنوب وأوزار بين خلل وجداني تحمله النوايا والهمّ بالفعل وإن لم يفعل، وبين ما يؤاخذ عليه شاعر من لفظ لم يقصد به سوى مجاراة شعراء، لكنه القلب الحي والضمير اليقظ لا يستنكف عن الشفافية أمام من يعلم السر وأخفى (يا رب حمّلت نفسي بالشقا والعتاب، ومديت حبل الأمل لإبليس وأصبحت أسير، وطاوعتها في متاهات الوهم والسراب،لين اشبكتني المعاصي شبك والنفس طير). وينتقل النص إلى تبرير ما حدث وما يحدث وأبرز ما يقدمه إنسان من أعذار أنه لا يزال شاباً والعمر أمامه وباب التوبة ممكن إدراكه، وهنا استعادة الوعي الغائب ببركة شهر الصيام وسمو الروح (أزل وأقول أنا توي بسن الشباب، واليا نصحني محب أقول توي صغير). وبما أن الشباب فورة جنون، وأزمنة مغامرة، فالشاعر يكشف واقع الكثيرين من المسوفين من خلال تجربته الشخصية ليعزز حضور روح الوعظ وإن بهجاء الذات والتنديد بتجاوزات النفس حتى دهم الموت الأصحاب والأصدقاء فرن جرس الإنذار (ما كنت أحسّب لوقتي والليالي حساب، ولا كنت أفكّر وش اللي في زماني يصير، إلا بعد ما انتصفت العمر والراس شاب، وفقدت من ربعي الأدنين جمعٍ غفير) وفي ختام النص يصل الشاعر بحكمته إلى تفسير اللغز، وتعرية كنه الحقيقة (عرفت بأن الحياة مصارعة واكتئاب، وإني مودع ولا لي غير ربي نصير).