ونحن في شهر الطيبات، شهر الجوع والعطش، وشهر الشبع والارتواء، البعض منا لا يتذكر الفقراء والمعدمين والمحتاجين إلا في هذا الشهر المبارك، مع أننا نجوع ونشبع، ونظمأ ونرتوي، في كل أيام العام. كثيرون أولئك الذين يغدقون على الجوعى والفقراء في رمضان، فإذا ما انقضى هذا الشهر الفضيل، رأيت هؤلاء يتراجعون، ويشحون، ويبخلون، وكأن المحتاجين لا يحيون إلا شهرا في العام. إطعام الفقراء من أجل وأعظم القربات إلى الله تعالى، ألم يقل جل شأنه:«وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ على حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا». ألم نقرأ – أو نسمع – قوله تعالى في وصف المكذبين بيوم الدين، بأنهم لا يحضون على طعام المسكين؟! «أرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّين* فذلك الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ *وَلا يَحُضُّ على طَعَامِ الْمِسْكِين». إذاً، إطعام الطعام ليس مقصورا على شهر بعينه، ولا على وقت محدد، وإنما هو فضيلة واجبة على الأغنياء والموسرين، بل على الناس جميعا، كل حسب استطاعته ومقدرته. وما أظن أن جوعى العالم الإسلامي سيعانون من الجوع إذا ما أخرج الأغنياء ما عليهم من حقوق تجاه الفقراء، وهذه الحقوق لا تنحصر في الزكاة:«وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُوم * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ». تخيلوا معي لو أخرج أغنياء المسلمين في ربوع العالم ما وجب عليهم من زكاة، ثم ما افترضه عليهم الله تعالى من حقوق للجوعى والفقراء غير الزكاة. أنا على يقين من أننا لن نجد جائعا في العالم الإسلامي. الدول الغربية تقوم بتوفير الطعام الضروري للفقراء والمعوزين بشكل ثابت ودائم، ودون أن تشعرهم بمذلة السؤال، ونحن – في بلاد الإسلام – لا نهتم بفقرائنا وجوعانا إلا في رمضان، ونتركهم طوال السنة لا يجدون ما يسد رمقهم. إنه البخل – عافانا الله وإياكم منه – الذي يصيب بعض الأغنياء فيمنعهم عن الإحساس بالجوعى والفقراء. لماذا لا نجعل هذا الشهر المبارك تدريبا للنفس على إطعام الجوعى كل أيام العام؟ لماذا لا نبدأ بمراجعة النفس في رمضان، لنستلهم من هذا الشهر الكريم وقودا يدفعنا إلى رحلة إطعام الطعام خلال كل الأيام؟! صدقوني: ما جاع فقير إلا ببخل غني.