كثيرون يظلون مجرد «ضيوف شرف» في هذه الحياة، وهم لا يعرفون! والبعض تثير حيرتهم الإجابة عن أسئلة بسيطة إذا وُجهت إليهم. وهم قطعاً لا يعرفون أن على إجاباتهم عن تلك الأسئلة يمكن رسم خريطة كاملة لشخصياتهم، وإلى أي نوع من البشر ينتمون! ليس أبسط من السؤال: من أنت؟ عرفنا بنفسك؛ أو من هذا الشخص عرفنا به. دائماً ما يطرح هذا السؤال في المناسبات وغيرها لمعرفة هوية شخص ما. في الغالب ستجد من يجاوب بسرد اسمه الثلاثي، وربما الرباعي. وقد يتحدث عن أقاربه من الدرجة الأولى، ماذا فعلوا، وإن كانوا مشاهير فهو سيسارع بتعريف نفسه من خلالهم. وهناك من قد يذكر للآخرين ما يملك من صداقات وما تحوي حساباته البنكية وما يملك من عقارات، فيظن واهماً أنه أجاب عن سؤال بسيط وعرّف نفسه. لو تأملنا الشخص عندما يسرد اسمه الثلاثي على الآخرين، سنتساءل: ماذا أضاف لسائله من معلومة قيمة؟ ماذا لو استبدل إجابته بالحديث عن شغفه وموهبته وقدراته، وما قدم لمجتمعه الصغير والكبير.. وعرف بنفسه من خلالها؟ معلومة الاسم والأصل والفصل لن تصنع إنجازاً، وليست شيئاً يكرم الشخص على أساسه، وكما يقال «كن ابن من شئت واكتسب أدباً يُغنيك محمودهُ عن النسب». فذكر الاسم ليس أسوأ من أن يعرف الشخص بنفسه بما يملك في حسابه البنكي.. لأنه في بادئ الأمر أو في آخره هو مالُه، وباسمه، ولن يحصل الآخرون على شيء منه لمجرد أنهم اطلعوا على هذه المعلومة التي تهمه وحده! أليس الأفضل لو أجاب بالإخبار عما قدمه للمجتمع من تبرعات ومساهمات اجتماعية وأعمال أحدثت تغييراً يستحق أن يُفخر به؟ وهناك أيضاً من تكون إجابته جاهزة، فيقول: أنا ابن فلان، أو فلان عمّي، وذاك خالي... الذين صنعوا وفعلوا واشتهروا.. فيجد نفسه منزلقاً للحديث عن أقاربه وإنجازاتهم، دون أن يعرّف بنفسه، وكما قيل: ليس الفتى من يقول كان أبي بل الفتى من يقول ها أنا ذا! فكل تلك المعلومات عنهم لن تضيف قيمة حقيقية، والتفاخر بأعمال الغير ولو كانوا أقارب يعني الجمود. جميل أن يفخر الإنسان بأقاربه، ولكن يجب أن لا يقدمهم على نفسه. عليه أن يعرف كيف يصنع ذاته ليكون فخوراً بما قدم وأنجز وأبدع. تجرد من جنسك، ولونك، وأصلك وفصلك، وانظر إلى نفسك في المرآة لترى إنساناً خالياً من كل تأثيرات الآخرين. وراجع نفسك من الحين للآخر واسألها بكل شجاعة: من أنا؟ هل أنا ضيف شرف في هذه الحياة أم أن لي دوراً مهماً مؤثراً إيجابياً في من حولي؟ وهل أنا من صنع هذا الدور المهم أم وجدته جاهزاً فارتديته كما ارتدي ملابسي؟ السؤال الحقيقي للنفس ينبغي أن يكون: هل أحدثت تغييراً مميزاً؟ وإن أحدثته فإلى أي مدى كان ذلك التأثير؟ هل كان بعيد المدى أم قصيراً؟ وما هي الشرائح التي أثر فيها وبدا لها واضحاً؟ خلاصة القول: احذر أن تكون ضيف شرف في هذه الحياة القصيرة، بعقل وقدرات عطلتها بنفسك، على رغم أنك تملك القدرة على استخدام عقلك وقدراتك، فتصبح ذلك الشخص الذي يظن أنه جاء ليتناول الطعام، ويحتسي القهوة والشاي، ويستلقي على الأريكة التي تشتكي منه ليل نهار، دون أن يكون له أدنى اهتمام بأن يترك بصمة في مجتمعه، أو حتى في محيطه الصغير جداً.