جاء ذكر العبادات والمعاملات في القرآن الكريم مجملاً وتولَّى المصطفى صلى الله عليه وسلم وبوحي من الله تفصيل ما أجمل من حيث عدد الصلوات وركعاتها وطريقة أدائها وما لها من أركان وواجبات وسنن وكذلك الزكاة وحصصها ونسبة ما يستطيع من المال لصالح الثمانية المستحقين لها، وهناك بعض التفصيل في قضايا النكاح والطلاق والحج والصيام ولكن السنة النبوية المطهرة أكملت وعززت تلك التفاصيل من خلال فعله وقوله أو إقراره عليه الصلاة والسلام، إلا قضية التوريث فإن القرآن الكريم فصلها تفصيلاً دقيقاً وغطى جميع حالاتها وأحوالها حتى شملت «الكلالة» وهو الرجل أو المرأة اللذان لا وارث لهما من أبناء وإن نزلوا أو آباء وإن علوا وكان في ذلك التفصيل حكمة ربانية التزم بها المسلمون على مدى أربعة عشر قرناً، وإن أراد أحد منهم التحايل على القسمة الربانية ردعه القضاء وأعاده إلى صوابه بتحكيم ما جاء في كتاب الله من توزيع عادل حكيم محكم لتركة المتوفى ذكراً كان أم أنثى. ولكن بعض المسلمين لم يعجبهم في الآونة الأخيرة التقسيم الإلهي القرآني للتركة فتنادوا بمساواة الرجل والمرأة في الميراث، وفي ذلك اعتراض مباشر وقميء لما جاء به الذكر الحكيم من توزيع للميراث، وفيه إعجاب بالرأي وبقوانين دول غير إسلامية واعتبار تلك القوانين والآراء أكثر إنصافاً للمرأة مما حدد لها القرآن الكريم من تركة، وفيه إصرار على الحكم بغير ما أنزل الله في الكتاب وبما جاء في السنة النبوية المطهرة من بيان وتوجيه، وفيه خروج على مقتضى سلوك المؤمنين الذين تربوا على الالتزام بما جاء في كتاب الله وسنة نبيه من أحكام شرعية فإذا قضى الله ورسوله أمراً لم يكن لهم الخيرة من أمرهم، فإذا كان هذا هو موقف المعترضين على التقسيم الواضح الصريح للميراث فما هو المتوقع منهم إزاء ما جاء مجملاً من آيات نزلت في العبادات والتعاملات، وهل سيأتي أشقياء منهم يدعون إلى تنحية القرآن الكريم والسنة المطهرة جانباً وتطبيق قوانين وضعية يرون أنها أصلح لهم من الأحكام القرآنية والنبوية وما هو الوصف المناسب لمن يعتقد بذلك؟ ولو افترضنا أن دولة أو جماعة طبقت قانون مساواة المرأة بالرجل في الميراث تاركة حكم الله وراء ظهرها، فهل ستكون جميع النساء الوارثات مساويات لجميع الرجال الوارثين المستحقين لتركة المتوفى أم أن المساواة سوف تطبق بطريقة انتقائية ؟ وللتوضيح أضرب مثلاً سهلاً فلو أن رجلاً توفي وله ابنتان وزوجة وخمسة من الإخوة الذكور فإن التقسيم الرباني هو أن للابنتين ستة عشر قيراطاً من أربعة وعشرين قيراطاً أي أن للابنتين الثلثين وللزوجة الثمن وهو ثلاثة قراريط ولكل واحد من إخوته الخمسة قيراط واحد فيكون نصيب كل ابنة في هذه الحالة ثمانية أضعاف نصيب الأعمام من الرجال. أما إذا طبق مبدأ المساواة الذي يدعو إليه بعض الجهلاء فإن الزوجة تأخذ ثلاثة قراريط وكذلك كل ابنة ويبقى خمسة عشر قيراطاً يكون نصيب كل ذكر وارث منهم ثلاثة قراريط، فبدل أن تأخذ البنتان ثلثي التركة يكون لهما ربعها فقط لا غير! وأخيراً فسواء أخذت الأنثى أقل أو أكثر من الرجل فإن على نساء المسلمين ورجالهم أن يرضوا بما حكم الله لهم، فإن لم يفعلوا وتمادوا في الاعتراض على ما جاء في القرآن الكريم أو من الثابت من السنة النبوية المطهرة فذلك هو الضلال البعيد. * كاتب سعودي [email protected]